استمتعت كثيرا بمشاهدة البلاهة المنغولية لذلك الرجل الذي ظهر على شاشة قناة الجزيرة في برنامج الدكتور فيصل ، البرنامج الذي تشعر و كأنك تجلس في حلبة مصارعة كلامية ، لدرجة إني لاحظت إن مصمم الديكور ربما قد يكون تلقى أوامر صارمة بأن يكون عرض الطاولة لا يقل عن 2 متر حتى مهما حاول الضيفين التشويح بأيديهم لا يصلوا إلى وجوه بعضهم لأنهم لو استطاعوا ذلك لفعلوا الأفاعيل . إنه برنامج الاتجاه المعاكس . النظام المصري يقع في حرج كبير منذ زمن أمام الشعب المسكين الذي فقد الثقة فيه تماما - حتى أصبحت نظرية المؤامرة هي الشعور المتبادل و الشعور الوحيد بين الشعب و النظام - . أما الحدث الفيصلي الذي حدث و قلب الموازين فهو محرقة غزة الأولى . من بعد تلك الحرب أصبح النظام المصري في مشكلة انعدام ثقة بل مشكلة تخوين و تخاذل بينه و بين كل الشعوب العربية و بين كل بني آدم يحمل بين جنباته حب الحق و رفض الظلم سواء كان مسلم أو لا يدين بالإسلام و هو ما شاهدناه جميعا أيام القصف . المهم نتيجة لهذا الإحراج الشنيع يحتاج النظام دائما إلى أفراد عشان يغطوا على خيبته التقيلة حتى و إن كان الشعب يعلم أنهم كاذبين و لكنهم يجب أن يتمتعوا بثقة في النفس حتى و إن فقدوها فبيحاولوا رفع الصوت لأنه على رأي المثل " صوتك العالي دليل على ضعف موقفك " . و بالتالي فهم يبحثون عن هؤلاء .
ما حدث في تلك الحلقة كان غريبا جدا حيث أن الموضوع كان عن جدار العار الفولاذي الذي يتم إنشاءه بين غزة و سيناء لسد الأنفاق و منع إعادة بنائها أو حتى محاولة ذلك مرة أخرى و جميعنا يعلم أن شريان الحياة بالنسبة لغزة الآن هو تلك الأنفاق التي تمر بين غزة و سيناء . موضوع الحلقة كان يتكلم عن ذلك الجدار و هل حق لمصر أن تبني الجدار ؟ و أليس من حق مصر أن تدافع عن أمنها القومي ضد أي شخص طالما سلطاتها داخل أرضها . و على النقيض ألا يعتبر الجدار الفولاذي أو جدار العار شبيه بجدار الفصل العنصري الذي قامت إسرائييل بتشييده منذ سنوات في الضفة الغربية . و هل هذا الجدار هو أحد ضرائب توريث الحكم للابن المدلل ؟ ما حدث في هذه الحلقة هو غاية في الغرابة حيث كان الضيف الأول و الذي يمثل المعارضة و يمثل جهة استنكار بناء الجدار الفولاذي هو الأستاذ عبد الحميد قنديل المنسق العام لحركة كفاية المصرية . و على الجانب الآخر نرى ذلك الرجل الذي يدعى نبيل لوقا بباوي و هو ممثل النظام المصري و الذي من المفترض أنه يدافع عن فكرة بناء الجدار الفولاذي الذي يمتد بطول عشرة كيلو مترات و بعمق يتراوح بين 20 - 30 متر تحت الأرض و يحتوي على مجسات استشعار حتى إذا ما حاول أحد خرقة يتم اكتشاف مكان الاعتداء و بتفاهموا معاه بطريقتهم الخاصة جدا و يحتوى كذلك على أنابيب تقوم برش المياة حتى تجعل التربة غير متماسكة حتى و إن حاولوا الحفر مرة أخرى لا يجدوا سوى الطين و الرمال المبتلة . هذا الرجل فجر مفاجأة من العيار الثقيل تلك المفاجأة " أنه لا يوجد جدار من أساسة يا جماعة .. دي فيرية عملتها إسرائيل لأننا حقيقي بنحب أهالي غزة " و تكلم بكلمات غريبة مثل " تلاتة بالله العظيم ما فيه جدار فولازي .. أعدم ولادي الاتنين لو كان فيه جدار فولازي " و كأنه جالس على عربية جرجير في سوق ستوتة - مع احترامي لبائعي الجرجير و احترامي لسوق ستوتة طبعا لأنهم ناس أشرف منه ع الأقل بياكلوا بعرق جبينهم مش بعرق جبين الشعب - و صدمنا أيضا ذلك الرجل الممتليء بأن ما يجري ع الحدود ما هو إلا أبراج و إنشائات عسكرية لحماية الأمن القومي . طبعا مش هقدر أكمل شرح الحلقة و لكني أترككم معها لكي تشاهدوها في وقت مناسب (لينك الحلقة على اليوتويب) . و أعجبني أيضا رأي والدتي التي لا تهتم بالسياسة بشكل كبير و قالت " شكلهم هيشيلوه " تقصد رجل الحزب الوطني لأنه ببساطة فضح سخافة النظام و هو ما شدد عليه الأستاذ عبد الحليم قنديل بأنه يشكر تلك الفرصة التي سنحت له بأن يمثل انحطاط النظام المصري رجلا كهذا . ما أريد أن أقوله أخيرا هي أن النظام المصري فشل في حجته هذه المرة و أعتقد أن كل من يقرأ هذه الكلمات سيعلم علم اليقين أن حجة حفظ الأمن القومي ما هي إلا كذبة كبيرة . لأن بعد اتفاقية كامب ديفيد تم الاتفاق على أن سيناء سيتم تقسيمها إلا ثلاث مناطق و كلما اتجهنا من غرب سيناء إلى شرقها يتم انخفاض أعداد القوات المصرية لدرجة أنه في سناء بكاملها تقريبا لا توجد مدرعات أو أسلحة ثقيلة للدفاع و إنما جنود شرطة أو حتى جنود من الجيش يحملون رشاشات لا تسمن و لا تغني من جوع و لن تستطيع صد أي هجوم يهودي يحدث أو لنقل أنه سيحدث في وقته . إذن كان الأولى بالقوات المصرية حماية سيناء بوحدات من الجيش بكامل طاقتها . أليس هذا تنازلا عن أمن سيناء أي عن أمن مصر القومي . لأن اليهود يريدون خلو سيناء من المقاومة بحيث إنه إذا حدث شيء في مصر لا يرضيهم أو لم يعد لهم يد في النظام أو الحكومة لا يترردوا في استرجاه سيناء مرة أخرى . فالجدار الفولاذي لن يمنع الطائرات من التحليق فوق سيناء و إلقاء ما لذ و طاب من الصواريخ و القنايل . الجدار لم يتم إنشاؤه إلا لتضييق الحصار على غزة و منع تهريب الأسلحة لا أقل و لا أكثر . من مصلحة الأمن القومي المصري - و ليس أمن النظام المصري - زيادة تسليح غزة لأنه سيتسبب في تأخير الجنود اليهود إذا ما قرروا الهجوم على سيناء حيث إن ذلك قد يدع مجالا للجنود المصريين للتواجد و حشد الحشود في سيناء . إذن لنقل إن الجدار الفولاذي - أو جدار العار - هو جدار لحماية أمن النظام المصري و ليس لحماية الأمن القومي المصري .. بل سيصطدم البعض بالحقيقة التي تنص على أن " أمن النظام المصري ضد الأمن القومي المصري " .
يبدو أن الجدار هو خطوة ضمن عدة خطوات لإحكام الضربة القادمة على غزة . حيث أن إسرائيل لم تكن تتوقع أن تفشل في مهمة القضاء على المقاومة و على حماس بالذات في غزة و إذا حدث ذلك مرة أخرى فإن الحكومة الإسرائيلية لابد و أن تراجع مصداقيتها عند الشعب و تراجع حسابات القوة لديها حيث أنه من العيب أن جيش نظامي كذلك يملك دعم لا محدود من أمريكا يفشل في خسف قطاع غزة و القضاء عليه . و هو هو نفس الجيش الذي لم يستطع هزم حزب الله منذ سنوات . الهزام أصبحت تتوالي و شكل الجيش الإسرائيلي بقى وحش . أخشى أن ذلك سيؤثر على المقاومة - حيث أن الأنفاق تعتبر شريان الحياة لها سواء بالمؤونة أو السلاح - كما فعل الجدار العازل في الضفة الغربية و الذي كان أحد أهم أسباب قلة أو قل اختفاء العمليات الاستشهادية كأحد وسائل للمقاومة و لكنهم بفضلا لله تجاوزوا تلك المرحلة و أصبحت هناك ثواريخ و كتائب القسام التي تشبه الجيش النظامي .
الجدار الفولاذي هو تعبير عن موقف بأكثر من حقائق الحديد و حقائق الفولاذ