رأيت فيما يرى النائم أن هاتفًا صاح فينا بصوتٍ هزَّ البلاد وزلزل العباد ، يا خيل الله اركبي .. يا خيل الله اركبي .. حي على الجهاد
فانطلق آلاف الشباب إلى حيث يأتيهم الصوت كلهم يقول لبيك .. لبيك .. كلنا فدى الإسلام والأوطان والخلان في كل البلاد
فقال لنا المنادي : جزاكم الله خيرًا عن الدين والوطن والعِرض ، لكن جيشنا له شروط . فصِحتُ من بين الناس قائلاً : اشترط ما شئت فقد بعنا أنفسنا لله ، وكل شرط يحقق هذه الصفقة نحققه ، فهات ما عندك
فقال لنا : خمسة مطالب ، من فعلها انطلق معي للجهاد وإلا رجع !!
فصاح الجميع : هات ما عندك واطلب ما تشاء
فقال المنادي : لا يصحبنا إلا من حفظ سورتي الأنفال ومحمد لأنهما أناشيد المجاهدين .. فنظر بعضنا إلى بعض ، ثم قلنا له أكمل... أكمل وأسمعنا ما عندك أولاً
فقال : لا يتبعنا في معاركنا إلا من صلى الفجر اليوم في الصف الأول ، وأدرك تكبيرة الإحرام ، فطأطأت رأسي ؛ لأنني اليوم بالذات أدركت الإمام في التشهد الأخير وقبل التسليم
ثم صاح المنادي قائلاً : لن ينال شرف الجهاد معنا إلا من يحفظ عشرة أحاديث في فضل الجهاد ، بسندها ومتنها ؛ ليستشعر شرف الجهاد الذي خرج يبيع نفسه لله من خلاله
فأخذت أسترجع ما أحفظ، فما وجدتني أحفظ إلا حديثًا أو حديثين ، إن تذكرت أحدهما كاملاً لا أظنني أتذكر الآخر.
فقال المنادي : بقي شرطان ، لا يصحبنا إلا من كتب وصيته وتركها لأهله ، لأنه لا وقت عندنا الآن لكتابة الوصايا ، فتذكرت أن عليَّ لفلان أموالاً هنا ولفلان أموالاً هناك ، وأحتاج لأيامٍ لأتذكر الديون الأخرى ، ناهيك عن أقساط ومستحقات و .. و .. فصرخ المنادي : قاطعا عليَّ تفكيري وشتاتي في الدنيا التي أهلكتني ومزقتني ، وقال : الشرط الأخير .. ألا يصحبنا إلا من كان مثل المجاهد في حياته ، فكما سهر المجاهدون على ثغورهم يحرسون ، بات هو مع من كانوا في بيوتهم يصلون ، و سهر يقلب أوراق المصحف كما سهر المجاهدون يقبضون على بنادقهم
وما إن تلا الرجل شرطه الخامس حتى انسللت من بين الناس قبل أن يتمّ كلامه حتى لا يفتضح أمري
وبعد أن ابتعدت خطوات عن الرجل تلفتُّ ورائي فإذا الآلاف على أثري ، كلهم رجعوا إلا عددًا قليلاً وقف مع المنادي ، فأشفقت عليه أن يعود ببضع رجال وقد كان معه الآلاف فوقفت وقلت له : يا أخي هل لك أن تتنازل عن شرطين أو ثلاثة ؛ حتى لا ترجع خائبًا بلا عدد يفرحك أو جيش يؤازرك؟
فابتسم الرجل وقال : لا يا أخي ، فمعاركنا اليوم ليست بحاجة إلى أجساد بقدر ما هي بحاجة إلى عبَّاد ، وهي معركة قلوب وطهارات ، وليست معركة مدافع وآلات
ثم قال لي : ولم لا تغير أنت من حالك لتلحق بنا ؟
قلت وهل تنتظرونني حتى أتغيَّر ؟
فقال: القوافل كل يوم تمر ، والمعارك مع الباطل لن تنتهي حتى تقوم الساعة ، فإن فاتك ركب اليوم، فأدرك ركب الغد ، لكن حذار أن يفوتك كل الركبان ، ولات حين مندم
ثم انصرف وهو يقول لمن معه : هيا يا إخوتاه فلمثلكم تتنزل الملائكة ، وعن مثلكم يدافع الله عز وجل ، وعلى أيدي أمثالكم يأتي النصر
أما أنا فنظرت حولي فرثيت لحالي وبكيت، فقال لي أحدهم : لا تراع ، غدًا نلحق بهم ! فصرخت في وجهه قائلاً : منذ عشرات السنين ولم يأت الغد الذي تتحدث عنه ، حتى أوشكت قوافل خيل الله أن تنتهي ولم نحجز لأنفسنا فيها مكانًا بعد
ثم أخرجت حافظة نقودي لأخرج منها ورقةً أكتب عليها وصيتي ، ففاجأتني صور أبنائي ، وخلفها بعض الأوراق المالية ، فنسيت الوصية ونسيت الجهاد ومضيت لحالي ، ثم استيقظت !
بقلم الشيخ خالد حمدي . من علماء الأزهر الشريف
Sunday, January 18, 2009
حافظة النقود أنستني طريق الصمود !
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
ذكرني هذا المقال بالآية في سورة الأنفال:
ReplyDeleteوَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
والآية في سورة المنافقون:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
فالله تعالى نسأل أن نكون من جيل النصر وأن يستعملنا ولا يستبدلنا إنه على ما يشاء قدير .. وحسبنا الله ونعم الوكيل
ربنا يهدي جميع المسلمين
ReplyDeleteويقرب الشباب من الله
فعلا حال الناس مش هيتعدل إلا لو بطلوا يبصوا لدنيا وبدأوا يعرفوا أنهم مهما عاشوا هيموت ومش هياخدوا غير عملهم معاهم
ولو كل رئيس دولة المفروض أنها دولة مسلمة فكر كل يوم زي المقولة دي (بتاعت تقريبا عمر بن الخطاب أو أحد الخلفاء الراشدين مش فاكرة بالظبط ):
"ماذا تقول لربك غدا إذا أنت ملاقيه؟؟"
مكنش زمان ده حال بلادنا ولا ده حال فلسطين
لينا ربنااا
سلااام
بسم الله الرحمن الرحيم
ReplyDeleteالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخى الفاضل أنس
تحياتى لك
احييك على هذا البوست الرائع والذى بالفعل يصف مابنا من الامراض التى ابعدتنا عن طريق الحق وشغلتنا الدنيا ونسينا كيف نكون عبادا لله تعالى
وبالفعل فأقل القليل منا هم من يستحقون ان تتنزل لاجلهم الملائكة وان يلحقو بركب الجهاد
والغريب ان كلنا يعلم الطريق وكيف يلحق بالركب ولكن الدنيا اخذتنا ولم تتركنا وذلك لحبنا لها
اللهم تب علينا وردنا اليك رداً جميلا
صديقى العزيز تحياتى وتقديرى
وجزاك الله كل الخير
دمت بكل ود
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته