Friday, May 8, 2009

هجمة مرتدّة


قطع صالة قصر العروبة ذهابا و إيابا ، استمر على هذا الحال لأكثر من نصف ساعة ، شعر بالحر و الضيق فقام بإرخاء رابطة العنق قليلا ، لم يسترح بعد ، خلعها و رماها على مكتبه . لا يزال عاجزا عن تخيل ما يحدث ، نادى على الخادم بصوت عال هز أرجاء القصر و عندما جاء الخادم نظر في عينيه قليلا ثم صفعه على وجهه ، لا يدري لماذا فعل ذلك لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير ، كان يعلم أنه ظلمه و لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير بل بكثير جدا ، جعله يخرج عن شعوره و هو من كان يصفه الناس بالرزانة و الوقار ، فتح " الجزيرة مباشر " مرة أخرى ليتأكد مما رآه قبل قليل ، تمنّى لو أنه كان يحلم ، أطفأ التلفاز و ترك نفسه ليسقط على ذلك الكرسي سقوط الآيس الذي لا يجد حلا ، سقط على ذلك الكرسي الخشبي الذي اشتراه عودته من زيارته الأخيرة لفرنسا ، قال في نفسه ' سأغلق عيني و أفتحها و سينتهي كل ذلك ' فعل ذلك و لكنه وجد أنه لا يزال في مصيبته ، أيقن حينها أنه لا يحلم . كان يعلم علم اليقين أن ذلك اليوم سيأتي لا محالة سواء في عهده أو عهد أبنائه إن استمر مخططه في توريث الحكمو لكنه لم يكن يتخيل أن يحدث بتلك السرعة ، كان يتوقعه بعد حوالي عشرون عاما ، ولكنه لم يتخيل أن يحدث ذلك الأمر بتلك السرعة فهو لم يكد يجلس على الكرسي أكثر من ستة أشهر ، زار خلالها العالم .. كان سعيدا جدا بوفاة والده .. كاد أن يطير من الفرحة حينها لأنه سيصبح الحاكم .. الآمر و الناهي .. سينفذ كل وعوده التي أبرمها سرا مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية . سينفذ كل ما تعهد به لرئيس وزراء إسرائيل بأنه سيفعله إن تركوه يفعل مخططه للوصول للحكم . أخرجه جرس الهاتف من أحلامه ، كان وزير الداخلية " ألو .. أيوه أيوه شفته .. الحقني الله يخليك " كانت دموعه تسيل حينها ، استطاع وزير الداخلية أن يسمع نشيج بكائه قال له " و الله مانا عارف أعمل ايه ، بس خير إن شاء الله " كان وزير الداخلية يعلم أنه كاذب فيما قاله ، فما حدث هو ما كانوا يخشونه طويلا ، لكنه ليس لديه ما يقوله إلا " خير إن شاء الله " أغلق الهاتف في وجهه فهو لا يريد أن يواسيه أحد ، هو يريد حلا عمليا سريعا فلا أحد يخفى عليه ما يحدث في شوارع القاهرة في تلك اللحظات ، كان يبحث عن أي شعرة ليتعلق بها ، جاء على باله أن يتوضأ و يصلي ركعتين و لكنه تذكر صور الظلم الذي كان يستلذ بممارسته على جميع طبقات الشعب ، تذكر أيضا تلك المرأة العجوز التي رآها في التلفزيون تدعي عليه بالاسم و تشتكي من أنها تشرب مياه مجاري و قالت " الله ينتقم منه ، منّه لله " كان متأكدا أن الله لن يستجيب له فمأكله حرام و مطعمه حرام و ملبسه حرام و غُذّي بالحرام فأنّى يستجاب له ، كان يدرك يقينا أنه هو أكبر مظلوم فقد ظلم نفسه . سأل نفسه ' اشمعنى دلوقتي ما هما بقالهم سنين ساكتين ؟ ' سأل نفسه هل هو إلغاء الدعم الذي كان يخطط له من قبل أن يمسك الحكم ؟ أم هو اهتمامه الشديد برجال الأعمال و إهماله جميع ما سوى ذلك ؟ كان يستمتع بالجلوس أمام حاسوبه الشخصي من ماركة " أبل " و يرى رصيده في بنك سويسرا يرتفع ، كان يعشق السهم الأخضر ، من يومها و اللون الأخضر هو لونه المفضل بلا منازع ، كان يعلم أنه لن يفعل بتلك الأموال شيئا و لكنه حب كنز المال و فقط ليس إلا . تذكر حينها "فالكيري" ( خطة هتلر لتفادي ثورة الشعب ضده إن حدث ذلك و التي كان سيستخدم فيها الجيش ) كان قد أقام خطة مشابهة لتفادي ثورة الشعب فهتلر زعيم يجب ألا تمر حياته هكذا من دون أن يستفيد منها ، ذهب مسرعا نحو الهاتف و عندما بدأ في ضرب الأرقام تذكر أن جميع قيادات الجيش في أجازة رسمية في أوروبا ، و القيادات البديلة لا تعلم شيئا عن تلك الخطة فهي خطة ليس من السهل أن يعلمها الجميع كان هناك ثلاثة فقط يعرفونها هو و رئيس المخابرات و وزير الحربية فقط ، أطلق لفظا بذيئا ، فتلك كانت أهم ما لديه عند ثورة الشعب .
كان يرى الاضرابات تتزايد كل يوم و لكنه كان يعتقد أنه كلام في الهواء ، لحظة غضب و ستمر بسلام ، كان يتعامل معهم بمبدأ " اتركهم يجعجعون ، فهم لا يملكون الإرادة لفعل شيء كهذا " لم يكن يعلم الطفرة النوعية التي حدثت ، أكثر ما يقلقه الآن أن يتجه العشرة ملايين التي رآها في رمسيس إلى قصر الرئاسة ، فجأه أفزعه صوت ارصاص ، خرج مسرعا إلى الشرفة .. رأى الملايين قادمة من بعيد كان يرى النيران التي يحملونها ، حين اقتربوا تأكد أن أقل من فيهم معه مسدس 9 ملم ذو الست طلقات ، لا يعلم من أين أتوا بكل ذلك السلاح و لكن المهم الآن أنهم يمتلكونه .. الأهم من ذلك أنهم يمتلكون الإرادة .. يمتلكون الغضب .

4 comments:

  1. http://thelovestories-fnoonh.blogspot.com/?zx=70819fd8ad321f61

    دعوة للجميع لمعرضي الفني

    ReplyDelete
  2. اتغطي كويس

    حلم مستحيل التحقيق
    ............................

    ReplyDelete
  3. رائعه جدا جدا جدا
    لكن حقا سيكون هذا خلاص لنا ام ماذا
    ربما يخبئ القدر الكثير

    ReplyDelete
  4. ما شاء الله يا أنس
    قصة جميلة فعلا
    و غالبا ده احد السيناريوهات المتوقعة اان لم يكن هو الوحيد
    الناس مسيرها تفوق برده

    تحياتى,,
    wa7eed

    ReplyDelete