خلقنا الله في هذا الكون لنعبده و ترك دلائل على وجوده سبحانه و تعالى حيث أن أي إنسان على وجه الكرة الأرضية خلق بفطرة سليمة يستطيع أن يهتدي بها و بدون مساعدة من أحد إلى إله الكون إن أراد و بحث بتجرّد . كثيرة هي قصص الباحثين عن الحقيقة . لا أخفيكم حقيقة كم أعشقها و أعتقد أن الوقت الذي قضاه أحدهم في البحث عن الحقيقة قبل هدايته لا يقل ثوابا عن ثواب الهداية نفسها . بداية بقصة سيدنا إبراهيم الخليل حينما عبد كوكبا ثم القمر ثم الشمس ثم توصل إلى السر الإلهي " الآيات " [الأعراف] و كسيدنا سلمان الفارسي في رحلة بحثه عن النبي الحق و بحثه عن العلامات الثلاث التي اختتمها سيدنا محمد بالكشف عن كتفه - صلى الله عليه و سلم - ليظهر له ختم النبوة . حينها سقط نور الهداية في قلبه . أحب تلك القصص لأني أؤمن بأن الشخصية القيادية لابد و أن تبحث عن الحقيقة قبل أن تسير فيها فتلك الشخصية القيادية شخصية عنيدة تأبى أن تسير في طريق قبل أن تتأكد منه لذلك حتى و إن ولد من أبوين يؤمنان بدين معين أو حتى يعتنقون فكرا معينا فإنه يأبي أن يسير فيه قبل أن بتأكد منه تأكد الموقن المطمئن . فتلك الشخصيات هي الراحلة التي قلما تجدها في تلك الإبل المائة . قصتنا اليوم مع الرجل الأسود ذو القلب الأبيض إنه مالكوم إكس - Malcolm X رجل ذو بشرة سوداء . أصر على تغيير لقبه إلى إكس - X و هو الرمز المجهول في الرياضيات أصله أفريقي كباقي الزنوج ولد في أمريكا و قصة حياته كلها في أمريكا . ولد من أب قسيس مسيحي في أحد القرى في أمريكا . كان والده رجل دين ينادي دائما بصفاء الجنس الأسود و يدعو بعودته إلى موطنه الأصلي و قارته الأم أفريقيا . كان مالكوم هو الابن السابع في الأسرة . ولد مالكوم في وقت كانت فيه العنصرية على أساس اللون على أشدها حيث إن الزنجي المرفّه كان يعمل حينها ملمع أحذية ! ولقد التحق بالمدرسة و هو في الخامسة من عمره ، وكانت تبعد عن مدينته ثمانية أميال ، وكان هو وعائلته الزنوج الوحيدين بالمدينة ؛ لذا كان البيض يطلقون عليه الزنجي أو الأسود ، حتى ظن مالكوم أن هذه الصفات جزء من اسمه ، وكان الفتى الصغير عندما يعود من مدرسته يصرخ مطالباً بالطعام ، ويصرخ ليحصل على ما يريد ، ويقول في ذلك " لقد تعلمت باكراً أن الحق لا يُعطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد".
و عندما بلغ مالكوم السادسة من عمره قتل والده على يد جماعة عنصرية من ذوي البشرة البيضاء و قاموا بتهشيم رأس والده مما أثر في نفسيته و في نفسية والدته كثيرا . أصيبت أمه بعدها بمرض نفسي تبعا لتأثيرات الحياة عليها و دخلت المستشفى لمدة 26 عاما . حينها أصبح الأولاد السود ملك للدولة العنصرية البيضاء . حينها مارس مالكوم حياة التسكع و الضياع و طرد من المدرسة في سن الـ 16 و أودع سجن الأحداث . كان مالكوم شاباً يافعاً قوي البنية ، وكانت نظرات البيض المعجَبة بقوتهِ تشعرهُ بأنه ليس إنساناً بل حيواناً لا شعور لهُ ولا إدراك ، وكان بعض البيض يعاملونهُ معاملة حسنة ، غير أن ذلك لم يكن كافياً للقضاء على بذور الكراهية والعنصرية في نفس الشاب الصغير ؛ لذلك يقول " إن حسن المعاملة لا تعني شيئا ما دام الرجل الأبيض لن ينظر إليّ كما ينظر لنفسه ، وعندما تتوغل في أعماق نفسه تجد أنه ما زال مقتنعاً بأنه أفضل مني " .
انتقل مالكوم إلى نيويورك للعمل في السكة الحديد و كانت نيويورك بالنسبة له جنة ، تم القبض عليه و أودع سجن و حكم عليه بعشر سنوات و كانت قضبان السجن ذات ألم شديد على نفسيته فكان دائما ما يسبّ الحراس حتى يودعوه الحبس الانفرادي و لكن الحبس الانفرادي علمه الصبر و قوة التحمل و التخلي عن كثير من عاداته التي يمارسها ، صقلته الحياة كما صقلت الكثيرين . تأثر بأحد السجناء ويدعى "بيمبي" الذي كان يتكلم عن الدين والعدل فزعزع بكلامه ذلك الكفر والشك من نفس مالكوم ، وكان بيمبي يقول للسجناء " إن من خارج السجن ليسوا بأفضل منهم ، وإن الفارق بينهم و بين من في الخارج أنهم لم يقعوا في يد العدالة بعد " ونصحه بيمبي أن يتعلم ، فتردد مالكوم على مكتبة السجن وتعلم اللغة اللاتينية . نقل بعدها إلى سجن آخر و حينها راسله أخوه و أخبره أنه اهتدى إلى الدين الحق - يقصد بذلك الإسلام - و نصحه بألّا يدخن و ألا يأكل الخنزير و التزم مالكوم بنصيحة أخيه ثم علم بعدها أن أخوته جميعا اهتدوا إلى الإسلام و أخبروه بأنهم يريدونه أن يصبح مثلهم . ثم انتقل بعد ذلك إلى سجن آخر مخفف في عقوباته بقع في إحدى القرى النائية و حينها زاره أخوه و كان حينها قد انضم إلى جماعة تسمى " أمة الإسلام " بزعامة " إليجا محمد " والتي تنادي بأفكار عنصرية منها أن الإسلام دين للسود ، وأن الشيطان أبيض والملاك أسود ، وأن المسيحية هي دين للبيض ، وأن الزنجي تعلم من المسيحية أن يكره نفسه ؛ لأنه تعلم منها أن يكره كل ما هو أسود . اقتنع مالكوم بهذه الأفكار اقتناعا شديداً و عكف على القراءة المستمرة و انقطعت شهيته عن الطعام و حاول أن يصل إلى الحقيقة و رأى أنه على قدر زلته يجب ان تكون توبته فما أجمله من شعور .
راسل مالكوم حينها إليجا محمد و تأثر بأفكاره و راسل أيضا أصدقاؤه القدامى يدعوهم إلى الإسلام و تكلم كذلك مع صديقه القديم في السجن " بيمبي " . حينها قرأ كثيرا جدا ، حيث كان يعكف على الكتب لمدة 15 ساعة يوميا . قرأ في مختلف المجالات فقرأ قصة الحضارة وتاريخ العالم ، وما كتبه النمساوي مندل في علم الوراثة ، وتأثر بكلامه في أن أصل لون الإنسان كان أسود ، وقرأ عن معاناة السود و العبيد والهنود من الرجل الأبيض و تجارة الرقيق ، وخرج بآراء تتفق مع آراء إليجا محمد في أن البيض عاملوا غيرهم من الشعوب معاملة الشيطان . خرج مالكوم من السجن و هو ينوي توطيد علاقته بإليجا محمد و قد فعل و أصبح يدعو في كل الأماكن إلى أمة الإسلام حتى في المقاهي و أماكن اللهو و ممارسة الفواحش و اقتنع به الكثير حيث إنه كان مفوّها ذو لسان عذب و ذو حماسة صادقة و ظهر على التلفاز و على الراديو و أصبح المتحدث الرسمي باسم " أمة الإسلام " . أصبح نجما إعلاميا و كتبت عنه الصحف .
أدرك مالكوم أن الإسلام هو الذي سيعطيه الجناحات التي يحلق بها فسافر للحج في مكة المكرمة و لكنه حينما ذهب للحج كانت الصدمة التي لم ينسها . كانت نقطة التحول . حيث وجد أناس من بشرة بيضاء يحجون معه و هو مخالف تماما لما يؤمن به من أن الإسلام دين السود بل وجد أناس من أصحاب الأعين الزرقاء و الشعر الأشقر . حاول أن يدرك حقيقة الأمر و قابل حينها الملك فيصل - رحمه الله - الذي أخبره بأن الدين الذي يتبعه المسلمون في أمريكا ليس هو الدين الصحيح و شرح له تعاليم الإسلام الصحيح و أنه دين لجميع البشر و أن نواميس الكون تتوافق مع هذا الدين و أنه لا يخالف الفطرة بل هو فطرة الله التي فطر الناس عليها . قضى هناك أسبوعبن كانا بمثابة ما مر من عمره . فلقد توصل للحقيقة بعد أعوام من الضلال و اتباع دين زائف أو قل دين صحيح بفهم زائف . وتأثر مالكوم بمشهد الكعبة وأصوات التلبية و بساطة وإخاء المسلمين يقول في ذلك "في حياتي لم أشهد أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس ، إن أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام ؛ لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية فيها " و رأي تساوي الناس في العبادة بعيدا عن سرطان العنصرية الفاتك . صاغ بعد عودته أفكارا جديدة تدعو إلى "الإسلام الصحيح" ، "الإسلام اللاعنصري"، وأخذ يدعو إليه ، ونادى بأخوة بني الإنسان بغض النظر عن اللون ، ودعا إلى التعايش بين البيض والسود ، وأسس منظمة الاتحاد الأفريقي الأمريكي ، وهي أفكار تتعارض مع أفكار أمة الإسلام ؛ لذلك هاجموه وحاربوه وأحجمت الصحف الأمريكية عن نشر أي شيء عن هذا الاتجاه الجديد ، واتهموه بتحريض السود على العصيان ، فقال "عندما تكون عوامل الانفجار الاجتماعي موجودة لا تحتاج الجماهير لمن يحرضها ، وإن عبادة الإله الواحد ستقرب الناس من السلام الذي يتكلم الناس عنه ولا يفعلون شيئا لتحقيقه" .
تنامت الخلافات بين مالكوم وأمة الإسلام، وفي إحدى محاضراته يوم الأحد (18 شوال 1384 هــ الموافق 21 فبراير 1965مـ ) صعد مالكوم ليلقي محاضرته ، ونشبت مشاجرة في الصف التاسع بين اثنين من الحضور، فالتفت الناس إليهم ، وفي ذات الوقت أطلق ثلاثة أشخاص من الصف الأول 16 رصاصة على صدر هذا الرجل ، فتدفق منه الدم بغزارة ، وخرجت الروح من سجن الجسد و تم القبض على مرتكبي الحادث و لكن لم يثبت بأي دافع فعلوا ذلك فهنالك من يقول إنهم من أمة الإسلام و انتقموا منه لأنه ثار على مبادئهم و خالف دينهم و منهم من قال إنه حادث مرتب من تجار مخدرات و منهم من قال إنه مرتب من قبل الـ FBI أو الـ CIA
بالمناسبة : تم إنتاج فيلم سينيمائي عنه في عام 1992 من بطولة Denzel Washington
من أقواله :
- كن مسالماً ومهذباً أطع القانون و احترم الجميع وإذا ما قام أحدٌ بلمسك أرسله إلى المقبرة .
- لا أحد يمكن أن يعطيك الحرية ولا أحد يمكن أن يعطيك المساواة و العدل ، إذا كنت رجلاً فقم بتحقيق ذلك لنفسك .
- لا تستطيع فصل السلام عن الحرية ، فلا يمكن لأحد أن ينعم بالسلام مالم يكن حراً .
ختاما .. كم أريد أن أرى ذلك الرجل في الجنة ..
قصة رائعة و عرض أروع
ReplyDeleteجزاكم الله خيرا
إنج أنوس
جزاكم الله كل خير يأنس على القصه الرائعه دى
ReplyDeleteوأتمنى فعلاً من الله عزوجل كما اجتمعنا على طاعته فى الدنيا ان يجمعنا على طاعته ومحبته فى الاخره ان شاء الله