Wednesday, September 29, 2010

اليوم الثاني : الصحة النفسية


كنت جالساً في وسط الحضور في ندوة " الإبداع الفني .. و دوره في صناعة الأفكار " التي نظمها فريق يقظة فكر و قال أحد المحاضرين في الندوة لا أتذكر اسمه الآن " لكي يبدع الإنسان لابد أن يتمتع بصحة نفسية جيدة ، ولكن 80% من الشعب المصري يعانون من أعراض اضطراب نفسي " أعتقد أني حينها حركت رأسي بالموافقة تماماً فالأوضاع التي نعيش فيها في هذا البلد لابد أن تصيب الإنسان بانهيار عصبي و لس أعراض اضطراب نفسي و لكن ذلك ليس مدعاة للتهافت على الأطباء النفسيين فلا تلجأ لطبيب نفسي إلا إذا شعرت أن ذلك الهم بدأ يؤثر على إنتاجك و عملك و مذاكرتك و اجتماعياتك بشكل ملحوظ . ليس هذا حديثنا تماما و لكن هناك ظاهرة أخرى تستحق الذكر و هي أن كثير من الشباب تجدهم يكتبون في الحالة " مخنوق " و طبعا تتعدد أشكال الكتابة فهناك من يكتبها " ma5no2 " متماشيا مع التيار و تتعد الكتابات و لكن يبقى الجوهر واحد بأن هناك شعور من الضيق و الضجر و النكد و الحزن يطول عند البعض ويقصر عند الآخر تبعاً لسبب الخنقة و تبعا لطبيعة الفرد النفسية و مدى اتزانه النفسي .

الغريب أن ذلك الشعور لا يجب أن يكون متوافراً عند هذه الشريحة من الشباب في هذا السن بالذات و بهذا الشكل ، الإنسان من سن 15 إلى 25 تقريبا لابد أن يتحوّل إلى شعلة أمل و تغيير ، إنه سن الطاقة اللامحدودة فأن تجد تلك الشريعة تشعر بالحزن بهذا الشكل فإنها ظاهرة ولا شك سيئة لأبعد الحدود .

حاول كثير من علماء النفس مراقبة و رصد تغيرات النفس البشرية خطوة بخطوة محاولين تفسير السلوك أو حتى معرفة أكثر الأشياء تفسيرا للسلوك البشري فالبعض قال إنه الدين و الاعتقاد كعلماء النفس الذين يتحدثون من منطلق ديني ، وبعضهم قال إنه الجنس كفرويد مثلا ، و بعضهم قال إنه مبدأ اللذة و الألم مفسرين أي خطوة يتخذها الإنسان في حياته بأنها محاولة للشعور باللذة و هروبا من ذلك الشعور السيء السمى الألم .

ذهب فرويد إن أن النفس ثلاثة أقسام هي : الأنا ، و الهو ، و الأنا الأعلى . و " الهو " في رأي فرويد هو ذلك الجزء من النفس الذي يحوي الغرائز التي تنبعث من البدن و هو يطيع ( مبدأ اللذة ) الذي تحدثنا عنه و يهدف دائما إلى الإشباع من غير مراعاة للمنطق أو الأخلاق أو الواقع . و " الأنا الأعلى " هو ذلك الجزء من النفس الذي يتكون من التعاليم التي يلقاها الفرد من والديه و من قيم الثقافة التي ينشأ فيها و يصبح قوة نفسية داخلية تحاسب الفرد و تراقبه و تنقده و تهدده بالعقاب ، و هو ما يعرف عادة بـ " الضمير " و يرى فرويد أن الأنا الأعلى يمثل ما هو سام في الطبيعة الإنسانية ، و " الأنا " هو ذلك الجزء من النفس الذي يقبض على زمام الرغباتلبغريزية المنبعثة من الهو و يسيطر عليها فيسمح بإشباع ما يشاء منها و يؤجل ما يرى تأجيلهو يكبت ما يرى ضرورة كبته مراعيا " مبدأ الواقع " أو العالم الخارجي بما يتضمنه من قوانين و قيم و أخلاق و تعاليم دينية . و يقوم الأنا في رأي فرويد بالتوفيق بين الهو و الواقع أو العالم الخارج و الأنا الأعلى بحيث يسمح بإشباع زغباته الغريزية في الحدود التي يسمح بها الواقع ، ويحدّ من تطرف الأنا الأعلى بحيث لا يجعله يسرف في النقد و التهديد بالعقاب و جلد الذات دون مبرر معقول . و إذا نجح الأنا في وظيفته التوفيقية أمكن أنن يتحقق للإنسان الاتزان و السواء في الصحة النفسية .

و لكن تبقى المعضلة عند فرويد أنه لن يستطيع الإجابة عن الأسئلة الأكثر إشكالية في تاريخ البشر ، دعونا نوقن أن " القلق " هو السبب الأكبر و الأهم في أي اضطراب نفسي ، فالإسلام عندما نزل أول ما نزل ، أجاب عن الأسئلة الأكثر إخافة و التي يحاول العالم تناسيها لأن الإجابة عنها صعبة و ستدعو لكثير من البحث و التفكير بل ستحدد الكثير من المعتقدات و الأديان ، فأجاب عن أصل الإنسان ، و مفهوم الإله ، و حقيقة الكون ، و القوى الخفية ، و عن طبيعة العلاقة بين الخالق و المخلوق ، و عن الموت ، و ما بعد الموت ، و عن ما وراء الطبيعة ، كل تلك القضايا أجاب عنها الإسلام أول ما جاء بإجابات و اضحة صريحة لا تقبل التشكيك و لا تقبل الجدال ، لأن الاختلاف على تلك الأشياء ستكون عواقبه وخيمة ، و بذلك فلقد ساهم في حل المشاكل النفسية بتجنبه للقلق من ناحية تلك الأسئلة بنسبة 90% مما يعني أن معظم الناس يتتمتع بصحة نفسية جيدة متحاشين الألم النفسي إلا بعض منغصات الحياة الطبيعية التي يستطيع الإنسان التغلب عليها بالصبر الجميل و الاتسعانة بالله فالإسلام جاب بـ " إعادة بناء التصورات " كما يسميها يوسف زيدان في كتابه اللاهوت العربي و كما قال تعالى " الذين آمنوا و تطمئن قلبوهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب " " الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون " " و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " .

أخيرا ما المخرج و ما السبيل للتمتع بصحة نفسية جيدة ، سأذكر هنا بعض المقترحات البسيطة القابلة للزيادة و النقصان :

1. حاول أن تجعل لك طقوسا للترفيه عن النفس ، فمثلا ليكن لك طقس يومي معين كأن تمشي بعد الفجر لربع ساعة تستنشتق بعض الهواء النفي قبل أن تلوثه عوادم السيارات و دخان المصانع و نفخات المدخنين و المشيشين و المحششين .
2. اجعل لك رحلة مثلا كل شهر أو شهرين لمكان تخرج فيه و تبتعد عن صخب الحياة و بعيدا عن العمل و الدراسة .
3. اجعل لك موعدا أسبوعيا مثلا مع بعض الأصدقاء تجتمعون في على رياضة أو إفطار مثلا تتبادلون فيه الحديث عن الأحوال و الاطمئنان على بعضكم البعض .
4. كان هناك مقال على جزئين لعمر طاهر كان عنوانه تقريبا " 100 طريقة للتنفيس عن النفس " أو شيء من هذا القبيل ، لم أقرأه كله و لكن أعجبتني واحدة كان مضمونها " عيش عيشة أهلك " .
5. اقترب من الله ، استعن به في كل أمورك ، ادع الله كثيرا جداً ، ادعي لأحبابك بالسعادة و لك بمثل .
6. لا تكن وحيداً لفترات طويلة ، ابحث عن إنسان في هذه الحياة لكون توأم روحك ، تشكو له همومك و تستشيره في أمورك ، و تكون معه كما تكون وحدك ، تشتيره في أمورك و تحبه في الله . افته له قلبك و افتح له عقلك . لا تكتم الأفكار ، لا تكتم الهموم .
7. لا تكن فارغاً ، اجعل لك هدف في الحياة حتى لو هدف دنيوي و لكن بنيّة ، عش له بكل ما تملك ، ضحب من أجله إلى أن يتحقق ، شعور الإنجاز من أجل المشاعر في الحياة . لا تكن سبهللاً لا أنت في أمر دنيا و لا أمر دين .
8. كن أملاً ، كن حبا ، أدخل السعادة و الأمل لقلوب الآخرين .

-

أخيراً ، أتمنى لنا جميعا حياة مليئة بالاطمئنان و الهدوء النفسي و السعادة الداخلية ، و أن تكون جنتك في صدرك
دعواتكم
:)

No comments:

Post a Comment