Saturday, June 30, 2012

الإسلاميون ٤ - الجماعة والحزب: نحو بديل سياسي حركي



تحدثنا في المقال السابق وعنوانه الإسلاميون ٣ - الأمة قبل الدولة عن مفهوم الدولة في مقابل الأمة، وخلصنا إلى أن إحياء الأمة رهن بإحياء بناؤها الجماعي، بإمكاننا الآن أن نتعمق في مفهوم السياسة لدى الأمة ونجتهد لنرصد أفضل الطرق للممارسة السياسة وأفضل الكيانات التي يمكن أن تلعب هذا الدور بما يتناسب مع طبيعة تلك المنطقة من العالم.

الاستيراد الحزبي

عرف التاريخ العربي الإسلامي الكثير من الجماعات والتي كان لها دور مؤثر في العمل السياسي. في المقابل لم يعرف التاريخ العربي الإسلامي الأحزابَ بوصفها أداة العمل السياسي، ومع انتشا الحضارة الغربية أصبحت الأحزاب مفهوم يتم تداوله بكثرة، بل ربما أصبح المسار السياسي الشرعي الوحيد للمنافسة السياسية والعمل السياسي. ولكن مع وجود الأحزاب في الشارع لم تختفِ الجماعات بل إن أقوى قوى المعارضة في البلدان العربية جماعات وليست أحزابا. ومن خلال التجارب الحزبية يلاحظ أن الحزب كوعاء لحركة الشارع السياسي لم يحقق النجاح المرجو بل ظل يبدو كيانا غريبا محدود التأثير لهذا نعتقد أنه من الملائم أن نفكر في الحياة السياسية العربية من خلال مفهوم الجماعة لا الحزب. 

إن مدى نجاح أو فشل الأحزاب ليس هو المحرك الوحيد لما نتمناه من تجديد في الفقه السياسي العربي، بل مجمل دورها في الحياة ومدى تأثيرها على حال الأمة وتطورها، نقصد من هذا أن مدى فاعلية الدور السياسي للأحزاب ليس هو معيار تقييمها، ولكن المعيار الذي نعتقد في أهميته هو مدى ملاءمة الفكرة الحزبية ومدى فاعليتها في بلورة روح الأمة وتحريك إمكاناتها.

بين الجماعة و الحزب

كي نصل إلى تصور للجماعة والحزب يمكننا أن نعقد بعض المقارنات التي توضح الفرق بينهما

الأساس الأول للمقارنة هو نوع العضوية في كل منهما، فالجماعة تقوم على الارتباط العضوي بين أعضائها بما يشبه علاقة النسب (علاقات شخصية) أما العضوية في الأحزاب فتقوم على قبول الفرد لشروط العضوية ثم قبول المؤسسة الحزبية للفرد إذا انطبقت عليه الشروط وهي مسألة إدارية بحتة، ولكن في حالة الجماعة فإن الانضمام لها يبدو اجتماعيا أكثر من كونه إداريا. بهذا نرى أن الانتماء للجماعة أصعب ولكنه أقوى، والانتماء للحزب أسهل ولكنه أضعف لأن الحزب يحقق للفرد وظيفة سياسية محدودة، أما الجماعة فتحقق للفرد وظيفة حياتية مستمرة و واسعة (منهج حياة).

الأساس الثاني للمقارنة وهو الهدف المرحلي الأول لكل منهما، فالحزب هدفه الرئيسي الوصول للحكم، ويقاس مدى قوته بمدى قدرته على الوصول للحكم (مؤسسة حكم) وبدون ذلك الوصول قد يتعرض للجمود ويفقد التأييد فيترك الحياة السياسية، أما الجماعة السياسية فتمثل نموذجا حياتيا تمارسه أولاً وتدعو له ثانيا ثم تنادي المؤسسات المعنية بتحقيقه لأن التصور الذي تحمله الجماعة يكون تصورا عاما وشاملاً لا تستطيع أن تحققه إلا في بعض المجالات وتدعو الآخرين إلى تحقيقة في المجالات الأخرى.

.الأساس الثالث للمقارنة هو مكان ممارسة التصور الذي يحمله كل منهما  فالجماعة وحدة حياتية أسياسية، فالحزب يمارس الحياة العملية والفعلية في الحكم وإن لم يصل إلى الحكم فإنه يظل يحاول لأن يصل لكي يطبق تصوره أما قبل الوصول فلا شيء سوى عرض تصورات وحملات دعائية. بينما الجماعة فتمارس الحياة الفعلية والعملية في كل لحظات وجودها. ومن خلال التكامل بين الفكر الذي تدعو له الجماعة وتطبيقها الفعلي له في ممارستها الحياتية تزيد ثقة الناس في الجماعة أو تقل.

من خلال العمل السياسي يتغير موقف الحزب السياسي بين الغلبة والتراجع، وبالتالي يختلف وزنه السياسي تبعا لذلك. أما الجماعة فيتحدد وزنها السياسي بحجمها ونفوذها، وعدد الأعضاء، ومكانتهم الاجتماعية، ومدى انتشار الجماعة، وتنوع الشرائح الاجتماعية التي تقبل على الانتماء لها، والقدرات المالية للجماعة. وكذلك يتحدد الوزن الاجتماعي السياسي للجماعة بمدى تأثير نشاطها في الحياة اليومية ومدى وجودها الواقعي الملحوظ في مختلف دروب الحياة. أما مدى قرب الجماعة من السلطة أو بعدها عنها فهو أمر لا يحدد مكانة الجماعة أو وزنها السياسي والاجتماعي بل يحدد دورها السياسي المباشر فقط فعلى سبيل المثال قد ترى الجماعة أن دورها الأساسي هو التأثير في السياسة العامة الاجتماعية والشرعية لتكون من القوى السياسية التي تحدد توجهات الرأي العام ( المعارضة والتوعية السياسية التي كانت تمارسها حركة 6 أبريل باعتبارها جماعة سياسية وليست حزبا - دعم جماعة لمرشح معين للرئاسة دون تقديم مرشح ينافس على الرئاسة). ويمكن أن تجد الجماعة أن دورها الأساسي هو في المشاركة الفاعلة والمؤثرة في التشريع وليس في ممارسة الحكم أوتشكيل حكومة (أعضاء مجلس شعب فقط دون المشاركة في الحكومة).

الاجتماع: مفهوم جديد للسياسة

الصورة العامة للشارع العربي تحتوي على سلسلة من المشاهد التي تتراوح بين حالات الصمت والثورة ، فعندما نفترض السلبية في السلوك السياسي العربي نفاجأ بمشاهد الاحتجاج والثورة والغضب ( المقاومة ضد الاحتلال - عند الاستهانة بتعاليم الأديان والخروج عن أو على التعاليم الدينية ) وعندما نحتاج إلى الفعل الثوري الحاشد نُحبَط برد فعل سلبي خامل .

تختلف قوة مشاركة الشعب ومدى تفاعله مع القضايا ومنطلق طرح القضايا ، فإذا طرحت الأحزاب السياسية قضية تعليم المرأة من زاوية الحديث عن حقوق المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة فسنجد أن القضية لا تأخذ اهتماماً شعبياً وتبقى حبيسة النخب . وعندما تثار مسألة موقف الدين من التعليم و واجبات الزوجة والزوج ، ودور الأم وعلاقة ذلك بتعليمها ، وخروج المرأة من المنزل في ضوء التقاليد الواجبة للعفة والاحتشام سنجد أننا بصدد قضية حيوية تشغل الشارع . فالسياسة في حد ذاتها ليست هي المجال الذي يجذب رجل الشارع للمشاركة - وإن كانت بالطبع مجالا يثير الاهتمام والمتابعة - . إذا صحّ هذا التصور فهو يصل بنا إلى تفوّق الاجتماع - في الأهمية - على السياسة في الثقافة العربية.

يمكننا إذن أن نتصور وجود مجال اجتماعي وآخر سياسي، والمجال الاجتماعي ليس تابعا للسياسي وهو فرق نظنه مهما بين الثقافة الغربية والثقافة العربية. وبسبب أهمية المجال الاجتماعي واستقلاله النسبي عن المجال السياسي أصبح هذا المجال هو المحل الأول للفعل الإيجابي في الشارع العربي. كذلك فإن المجال الاجتماعي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمجال الديني، بل إن الدين هو المسيطر الحقيقي على المجال الاجتماعي مما يجعل سيطرة أي مجال آخر ليس فقط غير مقبولة، بل سيكون اعتداء على هيمنة الدين على الحياة الاجتماعية للأمة.

عملية التحوّل

جماعة الإخوان المسلمين تمثل جماعة سياسية، وجماعة اجتماعية دينية في آن واحد. ولهذا أسبابه ومسوغاته المعورفة من الجماعة وعنها. والمسوغ النظري المعلن يتكلم عن شمولية الإسلام. وهي مسألة يتفق عليها الفقهاء. ونظرة الجماعة تؤكد أن شمولية الإسلام تدعو لشمولية الجماعة. والحقيقة أن شمولية الجماعة كانت ضرورة في مرحلة التأسيس وهي ضرورة تاريخية، ولكن التنوع الوظيفي سيكون ضرورة مرحلة النهوض، وسيكون ضرورة تاريخية أيضا. لهذا نرى أن المرحلة القادمة تحتاج للجماعات النوعية، التي يكون كل منها قادرا على تقديم رؤية في مجاله، وقادر على العمل المباشر لتغيير واقع بناء على هذه الرؤية وبهذا يمكن أن نرى الجماعات الإسلامية في طور جديد تتوزع فيها على جماعات سياسية وأخرى اجتماعية ودينية، وتبدأ مرحلة النهوض، مرحلة ما بعد التأسيس أي مرحلة التشييد والعمران.

في الواقع الراهن محك فعلي لمسألة العلاقة بين الوضعية الرسمية للأحزاب ودور الجماعات السياسية، يتمثل هذا المحك في قيام بعض الحركات الإسلامية في إنشاء أحزاب سياسية تعبر عنها وتنتمي لها . نحلص من هذا إلى أن تجارب الحركات الإسلامية لإنشاء أحزاب سياسية هي في واقع الأمر تجربة للجماعات الإسلامية للعمل في ظل القانون (مسألة الرسمي والعرفي التي أثرناها في المقال السابق) لأن الجماعات يصعب عليها أن تكون حزبا بالمعنى الإدراي المؤسسي مما ينتج عنه جماعة سياسية تعمل تحت لافتة حزب!

ولكن التوسع بهذا الشكل ومع قَصْر القانون الحالي للأحزاب (ربما يتم تعديله من قِـبَل لجنة تعديل الدستور) مجال عملها في العمل السياسي المحض، سوف يؤدي في جانب منه إلى التوسع من قبل الجماعة في المتاح من نشاط الحزب، كما سيؤدي إلى اعتماد الحركة على نشاطها الاجتماعي خارج الحزب.

والتحول الذي يواجه الحركة الإسلامية يتمثل في مسألة التحول إلى جماعات نوعية لكل منها مجال للعمل، وما نتصوره أن متطلبات المرحلة الراهنة تحتاج إلى تحول الجماعة الإسلامية (التي تتبنّى الفكر الشامل للإسلام) إلى جماعة سياسية، وأخرى اجتماعية دينية، وثالثة اقتصادية وهو ما يعني تحول الجماعة إلى تيار يضم الكثير من الجماعات، وتكون بين الجماعات علاقات اجتماعية وتنسيقية وتضامنية، والأهم يكون بينها وحدة الهدف والرسالة المشتركة مما يجعل من أعمالها على أرض الواقع تيارا من الأفعال التي تشكل معا خطوات متكاملة نحو هدف محدد.

ربما يكون ما نطرحه من تصور صعب على نفوس آمنت بشمولية التنظيم (لا نختلف على شمولية الفكرة!) دهراً من الزمن. صعوبة لا تقل عن صعوبة تطبيقه، تطبيقا ربما تضطر الجماعة له مستقبلاً رغما عنها إن لم تجتهد الآن في البحث في المسألة، وإلا فالزمن سيتكفل بالأمر وربما تكون التجارب الحزبية للجماعات لها شأن كبير في تغيير كثير من القناعات، فترى الجماعة بعدها أن إحكام السيطرة على الشمولية من خلال التنظيم أمرا مجهدا حقاً يستنزف الطاقات ويشتت الجهود، ربما لا تستطيع أن تحافظ عليه مستقبلاً مع توسع العمل وكثرة مساراته، مسارات ربما يكون لها قدم في هيكل الدولة (البرلمان - الحكومة - الرئاسة). إنه اجتهاد وربما كلمة حق، وصرخة في واد، لإن ذهبت اليوم مع الريح، لقد تذهب غداً بالأوتاد!

وللحديث بقية

1 comment: