Tuesday, December 14, 2010

اللباد يكتب : الخط .. الحرف .. المقدس

قبل أسابيع تركنا مجيي الدين اللباد الفنان و الكاتب الذي نجح على مدى تاريخه القني الطويل أن يجسد ( الهوية ) تراثاً شعبيا عربيا ، " صانع الكتب " كما أطلق عليه حلمي التوني ، و صاحب سلسلة " نظر " غير المسبوقة في الفن التشكيلي العربي . و نحن هذا نذكره بأن ننشر له مقالاً كان قد اختص به " وجهات نظر "

تنويه : تم نشر هذا المقال في كتاب ( نظر 4 ) و لكن مع وجود اختلافات سواء بالزيادة أو النقصان .


لم يكن ما أشيع عن تحريم الإسلام لتصوير الإنسان و الكائنات الحية ، السبب في تبوؤ الخط العربي ماكنته الرفيعة في حياتنا ، و بالتالي انفراد الخط و الزخرفة بميدان الفن البصري كله ، بل أخذ الخط مكانته لأنه كان جزءاً من حضارة و نهضة ثقافية و روحية و فلسفية و فنية رفيعة شملت بلاد الإسلام . كانت تلك النهضة تعبيراً عن الخطوات الواسعة الجريئة التي خطتها البشرية خارج الظلمات و الجهل و العنف و المظالم التي سقطت فيها بلاد العرب و ما حولها لقرون طوال قبل الإسلام .

اكتسب الخط العربي مكانته الرفيعة أيضا لأنه الحامل لكلمات القرآن ، الكتاب الذي قدسه المسلمون على طول ألفية و نصف في مختلف أرجاء الكوكب . و لكن تلك المكانة الرفيعة التي أعلت من شأن الخط العربيو الزخرفة المصاحبة ، و أحاطته بمحيطمن العناية و الوقت و المال و المنزلة الثقافية و الاجتماعية بقصد حمايته و الحفاظ عليه، كانت سبباً في تجميد هذا الفن و في إيقاف تطوره .

في القرون الخمسة الأخيرة ، فهم البعض أن ( حفظ ) القرآن المعني في آية " إنان نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون " على أنه - يعني أيضاً - تثبيت طق كتابة نصوصه. و قد ساهم الأتراك العثمانيون في هذا التجميد ، عندما روجوا - في القرن الـ 17 م - لأسلوب كتابة القرآن بالخط النسخي الحديث الذي اشتهر به الخطاط التركي البارع الحافظ عثمان أفندي ( اسطنبول ، 1624 - 1698 م ) الذي كان من أشهر خطاطي المصاحف ( العثمانية ) بالخط النسخي ، التي كتب منها 25 مصحفاً ، طبعت الدولة العثمانية عددا منها انتشر في البلاد الإسلامية .

قبل العثمانيين ، ازدهرت جنات من التنوع الخلاق المبهج في أساليب الخط العربي التي كتبت مصاحف القرآن الكريم ، و طبعت الثقافات المحلية في أركان العالم الإسلامي المختلفة تلك الأساليب بأرواحها المتباينة و المنوعة ، و أغنتها . و كان ذلك بدءاً من الخط الكوفي القديم ( المسمى بكوفي الماصاحف ) ، مروراً بالثلث و النسخي و النستعليق ( الفارسي ) وصولاً إلى الخط العربي المغربي / الأندلسي الذي تحرر من كل القواعد الحرفية ، و أصبح فنا تعبيريا شخصيا و حراً .

إلا أن تقديس الخط العربي لارتباطه بآيات القرآن الكريم الذي يجتهد المسلمون كثيراً لحمياته من أي تحريف أو تبديل ، بلغ درجة جمدت الخط العربي ، و جمدت إبداع الخطاط و التفكيره ، و منعته من الاجتهاد و المراجعة و التجاوز و التحرر و الإبداع و الابتكار .

و شهد فن الخط العربي بعض تقاليد صاحبت فترات ( ازدهاره ) في الدولة العثمانية ، و كان من تلك التقاليد احتفاظ الخطاطين الأساتذة ببرية أقلامهم في علب ذهبية أو فضية جماية لها من دوس الأقدام أو النجاسة ، بعد أن كتبت بها آيات القرآن و لفظ الجلالة . و لنتخيّل ما أدت إيه مظاهر التقديس تلك من تجميد و تحنيط لفن الخط العربي

أدى ذلك التقديس و التجميد و التحنيط إلى تثبيت تصور عند البشر يعارض تحرير الكتابة العربية من إسار التقليد و التكرار ، إذ ساد شعور خفي كما لو أن الخط العربي نزل من السماء ، و كما لو كانت أصول كتاباته قد هبطت إلينا عن طريق ( الوحي ) . و بسبب تلك المواقف نفسها ، عارض سلاطين آل عثمان دخول آلة الطباعة دولتهم ، حتى لا يطبع القرآن بآلة لا روح لها و لا عقل ، و لا عقيدة !


لذلك ، شعر بعض من طالع كتابات الخطاط الشجاع المجتهد مسعد خضير البورسعيدي بشيء من الصدمة أمام ما فعله هذا الخطاط في بعض تجاربه ، حين كتب لوحة بخط النستعليق : " إن الله بالغ أمره " . كان خضير يقصد إرسال تلك الصدمة الرمزية : فلم يجعل حرف ( ـغ ) بدورانه المعروف ( المقدس ) ، بل وضع له بدلاً من الدوران حوض ( ف ) و عاد فوضع دوران الـ ( ـغ ) للهاء الأخيرة .

ما فعله خضير هو مجرد طرح للفكرة و المبدأ : هل نعتبر أساليب الخط العربي أزلية لا يمكن التعديل فيها للحصول على الأصلح و الأنفع و الأكثر ملاءمة أو لا ؟ و الحكم على ما فعله بالإعجاب و التشجيع هو إعجاب بالفكرة و تشجيع لمبدأ المراجعة و الاجتهاد في الخط .

كم هي مبهجة تلك التجربة البسيطة الشجاعة ، التي تتحدى الثبات و الجمود و التحنيط الذي يستقر في روعنا و كأنه تقديس . إنها شجاعة ( لم لا ؟ ) التي يجب أن نستفز بها الجمود . إن الخط العربي هو ابن الإنسانو من إبداع البشر و ليس منزّلاً و لا وحياً ، و الإنسان هو صاحب الحق في مراجعة إبداعه و تطويره و تبديله حسب الحاجة و حسب تبدل الأحوال ، و حسب الوظائف الجديدة للخط و الكتابة .

و مقل هذه التعديلات و التغييرات كانت قد حدثت في الخط العربي بالفعل منذ قرون طويلة و على طول هذه القرون ، حين تطور من الكوفي البدائي إلى السخ و الثلث ، و بعده النستعليق و الرقعة و الديواني ، التي تم فيها تغيير الكثير من ثوابت الأساليب السابقة ، بل و تغير منطق كتابة الخط نفسه ، و لكننا لكتفينا بما استقرت عليه الكتابة سابقاً ، و لم نبدع جديداً بعدها .

التعصب ( الذي شاركنا فيه جميعاً ) و الصراخ بشعار " حماية الخط العربي من العبث و التحوير ) لم يعد موقفاً ناضجاً مسؤولاً ، و جيب علينا جميعاً مراجعته . نعم علينا أن نقيّم و ننقد نتائج محاولات تطوير الخط العربي و نمسح بالرديء منها الأرض . لكن ليس لنا أن نجرّم المحاولة أو نحظرها على أحد . ليس هناك شيء يستمر بدون تبديل و تطوير لمواكبة المتغيرات المتلاحقة في حياتنا

الخط و حرف الطباعة


هناك ضرورة للتفريق القاطع بين كلمتي ( الخطوط - Calligraphy ) و ( تصميم حروف الطباعة - Font ) . و الخطأ في الخط و الالتباس بين التعبيرين خطير . إذ أنه ليس مجرد خطأ في التعبير اللغوي ، بل هو – إذا ما وقع – ستدرج إلى أخطاء عملية ذات تأثير جسيم على المفاهيم و التخطيط و التوجهات في مسارات البحث و الابتكار و التصميم و الاستثمار في مجال حروف الطباعة بأنواعها .
الخط ( Calligraphy ) هو فن شخصي و حرفة فردية يعتمد أداؤها على اليد البشرية ، و على التكوين الشخصي ، و على الذوق ، و على حال الخطاط لحظة خطه لقطعة من العمل بعينها ، لن يتكرر إنتاجها مرة أخرى . و يعتمد الأداء و الأسلوب في الخط على : البحث عن الحل الأمثل لحالة معينة محددة – الارتجال ( بما يشته تقاسيم الموسيقى الارتجالية على مقام معلوم ) – الاستدراك - الفذلكة – الطابع الشخصي التقديري . و يحكم على نتيجة عمل الخطاط على أساس كونها وحدة عمل واحدة متشابكة ، و على أساس تكاملها مع نفسها .

أما الحرف المصمم للطباعة ( Font ) فهو نظام ( System ) وظيفي نمطي ، معدّ للاستعمال العام بواسطة مستخدمين لا تشترط فيهم كفاءات خاصة ، و لا تتوفر لهم – عند استخدامه – فرص للارتجال ، أو الاستدراك ، أو الفذلكة ، أو التجويد ، أو إضفاء الطابع الشخصي و التقديري . و يأخذ قيمت من درجة التواصل ( Communication ) التي تنتج عن الاصطلاح العام على استعماله الواسع .

و قد تغيرت فنون كثيرة بانتقالها إلى وسيط ( Medium )جديد ، أو بتغيرات في تقنيات الوسيط ، و غالبا ما انفرزت منها فنون جديدة مستقلة بذاتها : ذات سيادة ، و غير ملحقة بالأصل . و من هذه الفنون : فن حرف الطباعة ، الذي انفصل عن فن الخط ، مثلما انفصل فن السينما عن فن المسرح ، ثم فن التليفزيون عن فن السينما ، و أصبح لكل فن منهما قوانينه و شروطه الخاصة .

و قد انفك الإسار عن فن حرف الطباعة اللاتيني عندما حرر نفسه من محاولة محاكاة فن الخط اليدوي ، و حين كف عن المراوغة و التحايل على حدود ( Limitations ) الوسيط الجديد التي ( تعجزه ) عن الوصول إلى ( كمال ) الخط اليدوي . تحرر حرف الطباعة حين جعل من تلك الحدود خصوصيات و صفات و قسمات أساسية تميزه ، بل لقد ركز على إبرازها ، و جعل منها فيمه الجمالية الخاصة ، كف الحرف عن اعتبار نفسه من مرتبة أدنى من الخط اليدوي ، فانطلق إلى الأمام و إلى الأعلى .

المسافة شاسعة بين الحرف اللاتيني القوطي ( Gothic ) الذي بدأ به جوتنبرج عام 1450 و بين ما نعرفه الآن من حروف لاتينية . و علميات الابتكار و التطوير فيها لا تزال مستمرة . و يستفيد تصميم الحرف اللاتيني و يتأثر بكل أشكال النمو و التطور في : الصناعة و العلوم ( تطبيقية و إنسانية ) و النظريات الفلسفية و المدارس الفنية ، و بالمتغيرات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية . و يتطور تصميم حرف الطباعة اللاتيني أيذا بالبحث الؤوب في تراث الخط اليدوي و تراث الفنون البصرية ، سواء في الحضارة الغربية أو في الحضارات الأخرى غير اللاتينية . بينما نتجمد نحن و نجمد معنا حروفنا الطباعية ، و لا نزال متوقفين بها عند مرحلة تعادل مرحلة حرف الطباعة القوطي الذي بدأ به جوتنبرج طريقه في القرن 15 مـ ، و لم نترحك بحروفنا إلى الأمام إلا قليلاً !

عرفنا حروف الطباعة العربية ، على نطاق واسع مع حملة نابليون ( 1798 مـ ) و كانت الحروف التي جلبها معه مسبوكة في جنوة و البندقية ( حيث كانت إيطاليا سباقة في صناعتها – منذ القرن الـ 16 – لطباعة ترجمات عربية للكتاب المقدس ) .

لم يختلف الحال كثيراً طوال القرنين اللذين يفصلاننا عن حملة نابليون و مطبعته ، فحتى سنوات قريبة كانت التجارب المحلية قليلة ، و الإسهام المحلي في صياغة الحروف كان قيلاً . أما الاختيار و قرار الإنتاج فكانا – غالباً – اختيار و قرار شركات غبر عربية ، لا تملك المعرفة الكاملة بنا و باحتياجاتنا ، و لا تملك الدراية الثقافية باريخنا و تراثنا في الميدان ، ة لا تعرف أولويات ضروراتنا ، و لا تعني بإنجاز ما يبني لنا تراكماً صحيحاً يؤسس لتنمية ثقافية في بلادنا .

و في النصف الأول من القرن العشرينجرت محاولات عربية جادة قليلة لتطوير حرف الطباعة العربي ، و توصلت دار المعارف المصرية في 1948 مع شركة ( مونوتايب ) البريطانية ، إلى حرف طباعة كامل رفيع المستوى للكتب كان معتمداً على خط النسخ . كتب هذا الخط خطاطون مصريون و أشرف عليه خبير الطباعة يوسف قاروط كما توصلت الشركة الأأخرى ( لينوتايب ) لحرف طباعة مختصر مقبول للصحف و الدوريات ، كان الحرفان المصنعان لغرض صف المتون ، مثلما كانت كل الأبحاث الجادة في مجال حرف الطباعة تدور حول حروف المتن . و ظل الاعتماد – في عناوين الصحف و الدوريات و أغلفة الكتب و الإعلانات المطبوعة و غيرها – على الخطاط اليدوي ، باستثناء تجارب قليلة لا يتجاوز عددها عدد أصابع الكفين : في الستينات أنجزت جريدة الأهرام حرفاً حصريا خاصا لعناوينها ( الخطاط عدلي بولس + المصمم المعماري ثم الجرافيكي توفيق بحري ) و في منتصف السبعينات لجأت بعض الصحف الللبنانية ( دار الصيّاد ) إلى طباعة حروف عناوين منفصلة على ورق مصقول ، و كانت العناوين تجمّع منها يدويا بقصها و لصقها متجاورة على ورق ، ثم تصوريها .

و بعد الفطرة في أسعار النفط في منتصف السبعينات ، اهتمت شركة ( ليترايست ) و بعض الشركات الإيطالية الأصغر بالسوق العربية و سوق إيران ، و أنتحت لهما – على عجل – قائمة من حروف العناوين العربية المطبوعة على أسطح شفافة لاصقة ، و قابلة لأن تنقل على الورق . تم الإنتاج في هرولة ، و كانت النتائج – في أغلبها – مشوهة و متدنية المستوى ( يصل بعضها إلى درجة الفكاهة المحزنة ) . و لم يكن منجزو هذه الخطوط خطاطين أكفاء ، و لا مصممين جرافيكيين مبدعين ، بل كانوا من قناصة فرص السوق . لكن هذا الإنتاج سرى في بلادنا المندهشة سريان النار في الهشيم ، و لا يزال الكثير من أحرفه يتسيد السوق ، و يتصدر الصفحات الأولى لصحف عربية كبرى يشترك عدد كبير منها في استخدام نفس الحرف ( المريض ) الذي يجعل تشابهها العام في الشكل و المذاق متقارباً إلى حد كبير .

و دخلت ( ميكانورما / نظيرة الليتراست في فرنسا ) السباق على السوق العربية ، فأنتجت – في هرولة هي الأخرى و عبر فريق صغير من المصممين حديثي العمر و الخبرة – قائمة قليلة العدد من الحروف العربية لم يختلف مستواها عن سابقتها البريطانية ، و لم تلق رواجاً في السوق العربية .

و عندما ازدادت إمكانات الصف الضوئي Photocomposing و اتسعت سوقه في بلادنا ، و كان ضرورياً أن تضيف الشركات إلى حروف آلاتها حروفاً للعناوين ، لم يكن أمام شركة ( لينوتايب ) سوى حروف ( ليتراسيت ) المشوهة إياها ، لتجعلها حروف للعناوين الرئيسية في آلاتها ، و أضافت إليها حروفاً قليلة جديدة ( مشوهة بدورها ) أبدعها نفس الفريق الذي ارتكب الجريمة الأولى . و قد تفكك ذلك الفريق فيما بعد و انقسم إلى شركات متعددة تختص في إنتاج حروف الطباعة و ملحقاتها ، و لا زالت حروفهم هي الرائجة في السرق العربية ، و في قوائم الشركات العالمية الكبرى ، رغم سذاجتهاو ضعفها الباديين .

و مع تسارع ظهور التقنيات و الأدوات المساعدة التي تيسر ( حتى للأفراد ) إنتاج حروف الطباعة للحاسب زاد الهرج و اشتد زحام الميدان و اختلط الحابل بالنابل و ازدحم المولد و زادت هيصته .

و ظل همنا الأكبر - في أغلبه – محاولة لإعادة إنتاح أساليب الخط اليدوي المعقدة في شكل حروف للطباعة : بالأحرف المعدنية البارزة ، أو بالصف الضوئي ، أو على الكمبيوتر . و كم بذلنا من جهود كبيرة من أجل هذه المحاكاة المستحيلة ، و التي يعدّ البعض الاقتراب من النجاح فيها انتصاراً .

لن يمكن بلوغ النجاح ، و لوى رقاب أساليب الخط العربي ، و إدخالها في نسق الكمبيوتر . فالتراكب بين الحروف العربية ، و وجود أكثر من شكل للحرف العربي حسب موقعه و علاقته بالحروف المختلفة السابقة عليه و اللاحفة ، لن يمكّن من ذلك باليسر الذي تتطلبه اقتصاديات الوقت و العمليات في الكمبيوتر .

و لقد كانت مهمة ثقيلة تلك التي صرف المصممون و المطورون فيها جهوداً مضنية طويلة للحصول على خطوط مثل الثلث و الديواني و الفارسي و الرقعة و المغريب عن طريق الكمبيوتر . فهي أساليب لا تتسق مع التركيب الخطي الاستطرادي Linear المعتمد في تتالي حروف الطباعة . و النتائج التي حصلنا عليها – بالكمبيوتر – لتلك الأساليب الكلاسيكية متواضعة و تحفل بالتنازلات في تقاليد الكتابة دون أن تصل إلى تصميمات حديثة متوافقة مع الوظائف الجديدة و الذائقة الجديدة و المعارف الحديثة .

أفكار و تجارب و تطبيقات


علينا الآن النظر بحساسية أقل إلى ضرورة مراجعتنا لكثير مما جعلناه ثوابت في الخط العربي و في علاقتنا به . حتى ننقذ خط الطباعة العربي الذي قيدناه بالخط العربي لدهر طويل . و كانت النداءات و الأفكار التي ارتفعت في الثلث الأول من القرن العشرين لتطوير الكتابة العربية و الطباعة ، و التي قادها عدد من مثقفي مصر و مفكريها و على رأسهم مجمع اللغة العربية و رئيسة عبد العزيز باشا فهمي كانت – في وقتها – عملا جلايئاً يستحق الاحترام و البحث . و كان يجب أن نجرب نطبيق تلك التجارب و الأفكار التي طرحت وقتذاك و بعدها تطبيقاً عملياً – و لو بطريقة معملية – ثم تقييمها . لكننا استسهلنا الرفض السلبي لكل المحاولات الجريئة التالية في النصف الثاني من القرن الماضي ( انظر مثلا محاولات المهندس اللبناني نصري خطار في حروف الطباعة العربية المنفصلة بدءاً من عام 1947 ) .

و قد تعرض القاريء ( بل و الأمي ) العربي – و على مدى نصف قرن على الأقل – لخبرات كثيفة بالحروف اللاتينية الحديثة ، و ازدادت معرفته بمنطقها و دلالاتها القرائية ، و بطرق فك رموزها و بإيماءاتها . و قد تضاعفت تلك الخبرات عدة مرات في العشرين عاما الأخيرة مع توسع سوق الاستهلاك السلعي بتغليفات بضائعة الأجنبية ، و توسع مجال الإعلانات عن السلع الأجنبية المستوردة او المصنعة حالياً ، و مع يسر استقبال الإرسال التلفزيوني الأجنبي ، و ازدياد تدفق المعلومات المطبوعة الواردة إلينا من الخارج . و قد ترتب على هذا تسقرار قدر من الألفة مع اللغة الجرافيكية للأحرف اللاتينية ، و الوعي بقيمها الجمالية و بنظامها البصري و بمعمارها ، في بديهة المواطن العربي .

كانت تصميمات الحروف اللاتينية قد مرت بظروف فرضت تطورها و نموها الدائم ، و منها عمليات الملاءمة لضرورات و وظائف و خصائص إنسانية و عملية و تقنية و اقتصادية مستجدة و متغيرة ، و لم يسبق طرحها على حروف الطياعة من قبل . بينما انقطع تطور حروفنا العربية منذ زمن طويل ، و جمدت في مشيختها الهرمة .

كذلك استفادت من ( إنجازات ) الحروف اللاتينية حروف لغات عديدة غير لاتينية ، و أدخلت إلى تصميماتها قيما بصرية و ابتكارات و اكتشافات و حلولاً توصل إليها الحروف اللاتيني عبر طريق تطوره الطويل ( على سبيل المثال : حروف اللغات السلافية الأصل Cyrillic ( الروسية و البلغارية و الصربية ) – اليونانية – اليابانية و الصينية و الكورية – العبرية – بعض اللغات الهندية ) .


نحن أبضا علينا النظر بحساسية أقل إلى ضرورةاستخدامنا لبعض هذه الإنجازات ، و ضرورة استغلالنا لتلك الخبرات الجديدة للفرد العربي بقيم الحروف اللاتينية و جمالياتها و مقروئيتها ، و ذلك عند تصميم حروف عربية جديدة . و لا صلة لهذه الدعوة بالتقليد المتهافت الأعمى – و من موقع أدنى – لأشكال بعض الحروف اللاتينية و لزماتها الشكلية ، و لا بتلك الأشكال المتهافتة من الحروف ( العربية ) الهجينة التي ظهرت أحيانا في بلادنا خلال العقدين الأخيرين . و يجب أن يتلازم هذا التطلع إلى ما وراء الأفق مع بحث هاديء و عميق و تأمل للداخل : للخط العربي الذي يمثل جوهره جزاءاً حميما من تكويننا الثقافي و الوجداني و الروحي .

...

لنرفع أيدينا عن فن الخط اليدوي حين نتحدث عن حرف الطباعة ، إذ سيعيش الأول فنا جميلاً غالياً راقياً له وظائف الفن الطليعية ، و بحضر جليلاً في الأعمال التطبيقية الهامة الاستثنائية الخصوصية ، كما هو الحال في باقي العالم المتحضر ، بما فيه الهند و كوريا و الصين و اليابان و أمريكا اللاتينية . و علينا رعاية هذا الفن مثل كل فنوننا البصرية الأخرى ، و التعامل معه على هذا الأساس .

و ستظل لوحات الخطاط الفرد إيداعاً خالدا يحتل مواقعهة المتنوعة في حياتنا : في المتحف ، و في المعرض ، و في منازلنا ، و أماكن عملنا ، و على أغلفة كتبنا ، و وثائقنا ، و لافتاتنا ، و علاماتنا التجارية ، و على كل ما نحرص على تمييزه من مصنفاتنا .

أما حرف الطباعة فهو شان آخر جديد يحتاج اتكاتف عدد من التخصصات ، و قد أصبح صنعة و علماً ، له أصوله و مناهجه و معاهده لتكوين المبدعين فيه ، و أصبح الخطاط أحد التخصصات العامة في حقل حرف الطباعة ، و ليس المبدع الوحيد .

...

لم يعد من الجائز أن نشرع في تصميم حروف الطباعة بأساليب محددة من الأساليب التي قسم إليها الخط العربي من قبل : نسخ و رقعة و ثلث و ديواني و كوفي و فارسي و خلافها . إذ أن الضرورة في التحديث قد تحتم خلط او تهجين أساليب مختلفة : تهجين النسخ بالثلث و بلاكوفي القديم ، أو مزاوجة الكوفي الهندسي مع بعض حلول الحروف في الفارسي ، و هكذا .

و إذا ما هدف المصمم إلى تصميم عائلات حروف في ضخيات متباينة ، تؤدي كل منها دورها الخاص في مجال محدد من النشر و المطبوعات ( جريدة يومية ، مجلة سياسية ، شهرية أو فصلية ثقافية ، مجلة خفيفة ، مجلة افتصادية .. إلخ ) لن يكون الطريق هو طريق تصميم حروف بأساليب الخط القديمة الرائعة ، التي لم تعد تعبر عن شيء و لا تقول شيئا ، سوى المباهاة بالإجادة و الإحكام و العظمة .

و بمراجعة تصميماتنا الجرافيكية العربية في النشر و في الصحافة و الإعلان ، قد نكتشف أن من أسباب توقف تطور هذا الإنتاج في بلادنا هو تخلف تصميمات حروف الطباعة العربية . بينما نطالع التصميمات المناظرة في اللغات المكتوبة بالحروف اللاتينية ، فنرى اعتماد تلك التصميمات على التنوع الغني في أشكال حروف الطباعة ، بحيث إن الحروف في أغلب الأحيان تلعب دور البطولة في تصميم الإنتاج الطباعي في النشر و الصحافة و الإعلان .

و أصبح على الدول العربية مجتمعة أن تتعاون في تأسيس معهد لتكوين المصممين لهذه المهنة الجديدة ، يخطط عمله على أساس ظروفنا و احتياجاتنا الخاصة . و ربما كان علينا أن نستعين فيها بأساتذة من خارج بلادنا : من الغرب و من دول العالم الثالث التي سبقتنا إلى هذه التجربة ، مثل الهند و كوريا و اليابان و الصين .

إن استمرار الوضع المتخبط الملتبس القائم في بلادنا في هذا الميدان ، لم يعد تأثيره السلبي ينحصر في تشويه الذوق العام ، و في تعرية أحد تجليات تخلفنا ، بل هو تأثير سلبي فعلي قوي و تراكمي على العقل العربي ، و على الذاكرة الجمعية ، و على الحساسية ، و على الوجدان السليم ، و على قدرتنا على الإبداع و التفكير الحر .

Thursday, December 9, 2010

هذا السيد .. هذا الدين


نقاط هامة و مقدمة لا مفر منهما

- اتبع المفكرون الإسلاميون في نقد الحضارة الغربية أساليب عدّة نذكر منها هنا أساليب ثلاثة . الأسلوب الأول يمثله الدكتور عبد الوهاب المسيري متمثلاُ في نقد الحضارة الغربية من داخلها بعيداً عن النصوص الإسلامية أو الرؤية الدينية عموماً حيث إنها لا تقع ضمن نقاط الاتفاق و بالتالي لا يمكن بناء الأساس النقدي عليها اللهم إلا تنويهات بسيطة داخل سياق الحديث . أبدع المسيري فيه باقتدار و أثبت عبقريته حيث إنه أثبت ما ستؤول إليه العلمانية الغربية بمنطق عقلي بحت – مرجعيتهم الأولى و الأخيرة – و بيّن عتمة النهاية و سودادوية الخاتمة بل الأدهى من ذل أنه أثبت تضارب بعض نظرياتهم من داخلها فما أثبته – الفيسلوسف العلماني - في البداية ينكره في النهاية و ما أقره في النهاية كان قد نقضه في البداية ! يظهر ذلك جلياً في كتاباته خاصة ( العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة - النظرية ) . الاتجاه الثاني مثّله على عزّت بيجوفيتش و هو طرح ظواهر كونية أو نفسية تعجز النظريات الغربية عن تفسيرها اعتماداً على المرجعية التي تتبناها تلك النظريات الغربية ، كعجز نظرية داروين في التطوّر عن تفسير الجانب النفسي الروحي للإنسان حيث إنه – الجانب الروحي النفسي - لم يتطوّر من الحيوان بل ( خُلِق ) ابتداء في الإنسان ، يتضح ذلك في أشهر كتبه ( الإسلام بين الشرق و الغرب ) . الأسلوب الثالث هو بيان سذاجة الفلسفة الغربية التي تدعو للضحك و السخرية في أغلب الأحيان و الحزن على ما آلوا إيه ، و عدم الخوض كثيراً فيها حيث أنهم أعملوا عقلهم في غير محل الإعمال ، ثم التعمّق في المنهج الإسلامي و الحديث عنه باستفاضة مع بيان أن كثير من القيم الغربية الحسنة مستمدة من الإسلام حينما مُكّن له في الأرض حيث كانت أورويا و المجتمع الغربي لا يزال يتخبط في تيه الظلمات ، و هو ما أبدع فيه الشهيد سيد قطب .

- هناك علاقة عاطفية تربطني بالشهيد سيد قطب ، ليس تعاطفاً معه لأنه ظُلِم حتى شُنِق - كما يتعاطف معه الكثيرين و إن كانوا ذوي ميول غير إسلامية أساساً - ، و ليس لتلك اللغة الأدبية الرائعة التي يكتب بها - و التي أعجبت الكثيرين و إن كانوا من كارهي فكرته ابتداءا - . إنها علاقة حب لا أجد لها مبرراً غير أني أحبه في الله . أحب صورته .. أحب كلامه .. أقرأ له من آن إلى آن فأشعر بسعادة و وضوح للمسار . سيد قطب ، رغم جسده النحيل إلا أنه يحمل قلبا عجيبأ . يميزه أنه جمع بين الفكر و الأدب فعبّر عن أعقد القضايا كالحاكمية و الجهاد بأسلوب أدبي قوي أكثر من رائع .

- عند القراءة للشهيد سيد قطب ينبغي أن تنتبه لنقطة ، فإذا كنت ممن يحبون أن يستفتح الكاتب كلامه بقوله " هذا رأيي الشخصي و هو ما توصلت إيه حتى الآن و ربما يتبين لي غيره و ربما تجدني أنقض ما قلت إذا تبيّن لي ما هو أحق منه " فسيد قطب ليس من ذلك الصنف .. سيد قطب واضح كالشمس ، حاد كالسيف في معظم قضاياه إن لم جميعها على الإطلاق ، لا تنازل ، لا انهزام ، لا تقهقر . هذا هو المنهج و هذا هو الطريق و هذا هو الدين و هذه هي المعالم . من قَبِله فمرحباً به و من لم يقبله فأنا أخلفه الرأي . ناهيك هن لغته الأدبية القوية الشديدة . فإذا كان المسيري قضى أغلب الوقت في إثبات سوء المادية الغربية و لم يوضح لنا تماماً ما نفعله أو نتبعه فإن سيد قطب فعل العكس تماماً لم يرهق نفسه في نقد الحضارة و الفلسفة الغربية بل تجاوزها سريعاً بعد ذكر سريع للمساويء ثم وصفهما بالسخف و توجه مباشرة للمنهج الإسلامي . سيد قطب يمكنك أن تصفه فتقول " قُضِيَ الأمْر " .

- " الحكم على الشيء فرع عن تصوّره " قاعدة هامة عامة يجب اتباعها عند الحكم على فكرة أو شخص ، بل هي أصعب و أعقد عند الحكم على شخص ، فهي تتطلب الإلمام ليس فقط بمعظم ما كتب بل بتجاربه الشخصية في الحياة سواء اعتناقه لأفكار سابقة تنازل عنها فيما بعد ، أو تجارب قاسية في حياته ( اعتقال – نفي - ... ) ، كما تتطلب نبذة سريعة عن أقوال الناس حوله ( قبول عام – رفض تام – قول أو رفض من جهات بعينها معلومة الاتجاه .... ) . فقبل الحكم على الدكتور مصطفى محمود يجب أن ندرك أنه كنا ملحداً و رأى الانغماس في الملذات حد التمرغ في الوحل . و ينبغي ان ندرك أن سيد قطب عاش في السجن فترات طويلة و رأى ما لم نره . و ينبغي أن ندرك أن المسيري رأة نهاية الحضارة المادية بينما ظل البعض منبهراً بثقافة الاستهلاك و الإعلانات التلفزيونية و البهرج الكاذب . إذا أرهقنا عقولنا في التصوّر سنفسّر الكثير من الظوهار و نستطيع أن نفسّر حرقة و شدة لهجة فلان عند حديثه عن القضية الفلسطينية بعد ان نعلم ( نتصوّر ) أن جميع أسرته ماتت تحت الركام إثر قصف صاروخي إسرائيلي ، بينما نفسّر برود فلان الآخر عند الحديث عن نفس القضية فهو لم ير و لم يسمع و لم يجرّب إذ أنه جالس في المكيّف صباح مساء . و بالطبع كلما زاد تصورك إحاطة زاد حكمك دقة .

-
فركن الإسلام الأول : أن نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله .. و شهادة أن لا إله إلا الله ، معناها القريب : إفراد الله – سبحانه – بالألوهية ، و عدم إشراك أحد من خلقه معه في خاصية واحدة من خصائصها .. و أولى خصائص الألوهية : حق الحاكمية المطلقة ، الذي ينشأ عن حق التشريع للعباد ، و حق وضع المناهج لحياتهم ، و حق وضع القيم التي تقوم عليها هذه الحياة . فشهادة " أن لا إله إلا الله " لا تقوم و لا تتحقق إلا بالاعتراف بأن لله وحده حق وضع المنهج الذي تجري عليه الحياة البشرية ، و إلا بمحاولة تحقيق ذلك المنهج في حياة البشر ، دون سواه .. و كل من ادعى لنفسه حق وضع منهج لحياة جماعة من الناس ، فقد ادعى حق الألوهية عليهم ، بادعائه أكبر خصائص الألوهية ، و كل من أقره منهم على هذا الادعاء فقد اتخذه إلها من دون الله ،بالاعتراف له بأكبر خصائص الألوهية .. و شهادة أن محمدا رسول الله ، معناها القريب : التصديق بأن هذا المنهج الذي بلغه لنا من الله ، هو حقا منهج الله للحياة البشرية ، و هو وحده المنهج الذي نحن ملزمون بتحقيقه في حياتنا و في حياة البشر جميعاً .

تلك الكلمات الموجزات المزلزلات المقتبسات من كتاب " هذا الدين " يمكننا القول بأنها حجر الزاوية لفكر الشهيد سيد قطب .

فكر الشهيد تجده ملخصا متبلورا في كتابه ( معالم في الطريق ) و ربما يكون هو آخر كتابته ، لكني بعد قراءة كتابه ( هذا الدين ) وجدت فيه خلاصة أخرى تستحق الذكر ، الكتاب يقع في مائة صفحة من العيار المتوسط أو ربما أقل . كلمات مزلزلات كالمدفعية الثقيلة تضرب العقول و القلوب .

عرض سريع موجز لأهم أفكار الكتاب

الإسلام منهج للبشر ، فهم المأمورون بالسعي و الاجتهاد لتطبيقه في واقعهم . و الذي يظن أنه طالما أنه منزل من عند الله فلابد و أن يعمل في حياتنا كمفعول السحر ، أو بكبسة زر هو إنسان لم يدرك و لم يفهم طبيعة هذا الدين . فهو منهج للبشر مرتبط بمجهودهم البشري في حدود طاقتهم البشرية ، و حتمية انتصار الدين ليس معناها حتمية انتصار كل من يؤمن بهذا الدين و يعتقد به بين جنباته و لكنها حتمية انتصار للدين و لمن يبذل وسعه لتحقيق هذا الدين في شخصه و مجتمعه بل في الكون كله .. و لا عيب في الهزيمة إن خالفت تلك النفوس بعض الأوامر فهذا لا يعيب المنهج و لا يحكم بنقصانه في شيء بل هو درس يجب أن نتعلّمه كما تعلمه الصحابة يوم أحد حينما خالفوا الأمر فتعلموا أن النصر و الهزيمة مرتبطان بمدى تحققنا و تخلقنا بالمنهج لا بالمنهج نفسه لكنهم لم يتعلموه بالكلام و العتاب بل تعلموه بالدماء و الآلام ، فتلك الدروس لا تُنسى .

ثم يشرع في وصف لماذا نحن ملزمون بتطبيق هذ المنهج الرباني . فيقول بداية نحن ملزمون بتطبيق هذا المنهج حتى نحقق لأنفسنا صفة الإسلام الذي ندّعيه ، وهو ما ذكرناه أعلاه . و نحن ملزمون كذلك بتحقيقه لأنه المنهج الوحيد الذي يحقق للإنسان إنسانيته ، فالبشر كلهم أمام الله سواسية لأنهم يعبدون إلها واحداً أما في مناهج البشر فهم يعبدون بعضهم بعضاً كما قال تعالى " اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أرباباً من دون الله و المسبح ابن مريم " لم يسجدوا لهم و لكنهم اتبعوهم في تحريمهم الحلال و تحليلهم الحرام ، فتلك عبادتهم إياهم ، فأنت عبد لله و تلك كامل الحرية أمام البشر ، ففي المناهج البشرية – الرومان مثلاً – نجد العبد و السيد و السخرة و الإذلال ، بل حلبات المصارعة التي ساوت بين البشر و الأسود و من ينتصر منهم فله حق البقاء ! أما الإسلام فأنت لست عبداً إلا لله و لا فضل لأحد عليك إلا بالتقوى و العجيب أن تلك التقوى لا يستطيع البشر قياسها و بالتالي فأنت لا تعلم من خير ممن ؟ فليس لبشر على بشر فضل إلا أمام الله " و لقد كرّمنا بني آدم " .. كل بني آدم ! و نحن ملزمون بتطبيق هذا الدين لأن واضعه يدرك الغاية الكبرى من الكون على عكس البشر فهم محدودوا التجربة حتى و إن اجتمعت الأجيال سيظل الجهل حليفهم ،و العقل البشري قاصر عن إدراك الحكمة النهائية " و ما أوتيتم من العلم إلا قليلاً " . و نحن ملزمون بتطبيق هذا المنهج لأنه المنهج الوحيد الخالي من الأهواء و الأغراض و المطامع الشخصية ، فالله - سبحانه و تعالى - لن يحابي بشراً على بشر أما المناهج البشرية فقلما ما تخلو من المطامع و الأهواء الشخصية لأن البشر ضعاف النفوس فضلاً عن أن بعضهم نفوسهم خبيثة فيستخدمون سلطتهم التشريعية لخدمة شخصه أو أسرته أو قبيلته أو جنسه أو ... إلخ " إن الله لا يظلم مثقال ذرة " . و نحن ملزمون بتطبيق هذا المنهج لأن واضعه هو واضع نواميس الكون و بالتالي تجد انسياقاً روحياً بينك و بين الكون من حولك على عكس المناهج الوضعية التي أشقت البشرية بعد أن خالفت سنن الكون فانسحقت النفوس و تمزقت ، و رأينا الأمراض النفسية و القلق و الاضطراب يهتك بنفوس المجتمعات الغربية مع قمة التقدم التكنولوجي المادي و مستوبات الدخل الخرافية لأن سنن الله غلابة ، و الدكتور عبد الوهاب المسيري هو خير من يظهر جوانب الضعف بل و الدمار المتمثلة في المناهج الغربية من علمانية و غيرها و لكنه حين يقعل ذلك يفعله من منطلق ليس إسلامي بحت بل من منطلق الإنسان كمخلوق مُكرّم من قبل الخالق . لذلك كله نحن ملزمون بتطبيق هذا المنهج .

و الإسلام اليوم أمامه فرصة عظيمة للسيادة بعد أن عجزت المناهج الغربية و باتت تتخبّط يمنة و يسرة تبدي صموداً كاذباً . فالإسلام يعضده رصيد الفطرة .. رصيده في نفوس البشر جميعاً – مسلمهم و كافرهم – فالضمير لا يموت .. قد يخبو و لكنه لا يموت و تلك من رحمة الله . و كما يعضده رصيد الفطرة يعضده كذلك أثره الذي تركه في نفوس البشر – مسلمهم و كافرهم – يوم أن ساد و حقق حضارة لم تتكرر . كذلك تعضده تلك الإشراقة اللامعة يوم أن ساد فكان المسلمون هم النواة الأولى للعلوم التي اعتبرتها الكنيسة في الماضي إلحاداً و هرطقة و تم القتل و التعذيب و ظهر المستنيرين الذين كرسوا علمهم للانتقام من الكنيسة . و كما يعضده رصيد الفطرة و رصيد التجربة يعضده كذلك رصيد القيمي الذي أرساه في المجتمع يوم أن ساد بعد أن كانت مستنكرة في الجاهلية كحقوق الإنسان ( موقف ابن القبطي مع ابن عمرو بن العاص ) . و من القيم الإنسانية واحدة فبعد عصبيات القبيلة و العشيرة و البيت جاء الإسلام ليجمع القبائل و الشعوب متعارفين لا متناحرين " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا " . و من القيم اجتماع البشر على رابطة العقيدة بعد أن كانوا يتجمعوا على رايطة الجنس و العرف و اللون و اللغة . فجمعهم على أسمى ما في الإنسان .. ما يعتقده و يؤمن به .

إن الإسلام اليوم أمامه فرصة عظيمة ربما تفوق فرصته يوم الجاهلية الأولى يعضده رصيد الفطرة و رصيد التجربة و رصيد القيم التي أقرها و ظلت مستمرة بعد أن تزحزح الإسلام – أو تمت زحزحته - عن الصدارة و حلت محله المادية الغربية المهلكة .

و لكن حتى لا يغتر المسلمون ، فإن كانت الجاهلية التي لاقاها الإسلام يوم أن نزل على محمد جاهلية هوى و عصبيات قبلية و سذاجة و جهل و فتوة، فإن الجاهلية التي يلقاها اليوم هي جاهلية علم و جدال و مراء و تعقيد و استهتار . و لكن رجاؤنا أن الفطرة التي أشقاها الضرب في التيه قد بدأ يبدو عليها التعب و الحنين إلى الله من جديد .

" و كان حقاً علينا نصر المؤمنين " .. قضي الأمر

Wednesday, November 10, 2010

اليوم الثلاثون : العشاء الأخير

كان فضل الله عليّ عظيما فكانت عطلة نهاية العام الدراسي المنصرم أفضل عطلة مررت بها حتى الآن . الأسباب كثيرة لكن أهمها هو تحقيق عدد جيد جداً من الأهداف التي وضعتها لنفسي ، إلى جانب التعرف على بعض الأصدقاء الذين اقتربوا من قلبي كثيرا على الرغم من قصر مدة التعارف بل قصر التلاقي و لكنها الأقدار يا عزيزي تفاجئنا دائما ، و لكني غالبا ما أكون سعيدا بمفاجآتها التي تكون مفجعة في أحيان كثيرة . أحد أهم أسباب اعتبار الأجازة كذلك هو شهر رمضان . رمضان الماضي كان شيئا مختلفا تماما في حياتي أعتبره حتى الآن مرحلة انتقالية رائعة و الحمد لله . كذلك أحد الأسباب هو الخطوة الفعلية التي خطوتها في مجال هوايتي و عملي المستقبلي ( التصميم الجرافيكي ) إن شاء الله .

إذن السبب الأساسي هو الإنجاز ، الإنجاز من أجمل المشاعر الإيجابية التي يمكن أن تشعر بها وسط حياة كئيبة كالتي تلقي بهمومها علينا كل يوم . يعطيك دفعة فلقد أثبت لتوّك أنك تستطيع . فلقد فعلتها !

ركاز أحد المؤسسات المهتمة بتعزيز الأخلاق يشرف عليها الرائع الدكتور محمد العوضي الذي أتحفنا في رمضان الماضي ببرنامجه الفكري الراقي ( بيني و بينكم ) على قناة الرسالة . كان أحد حملاتهم حملة بعنوان ( فاز .. من حياته إنجاز ) طبعا فاز ! من أهم ما يميزهم هو تفوقهم في المجالين الفني و الإعلامي ، و تلكم صفحة لحملاتهم حتى الآن ، علي يقين بأنكم ستستمتعون بها كثيراً .

الإنسان البطيء لا ينجز ، يتقدم الآخرون و هو قابع في القاع . يطير الناس بأحلامهم و حركتهم نحو الثريّا بينما يقبع هو وسط الثرى يحرك فيه أصابعه زاعما التفكير و التحليل و التقدير ، يقضي وقته كله في التفكير و طريقة حل المشاكل و لا يأخذ خطوة جريئة أبداً . ليته يعلم أنه بذلك سيظل مكانه فهو كباسطٍ كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه و ما هو ببالغه . ليت ذلك الأحمق يعلم ! احرص على أن تنجر ، احرص على أن تجرّب ، فلن تخسر شيئاً إن آمنت أن كل تجارب الحياة مفيدة أيا كانت نتيجة التجربة .

أكتب الآن بعد أن أتممت و الحمد لله مشروع 30 يوما من التدوين ، صحيح أني لم أستطع ان أفعلها في ثلاثين يوم بالتمام و لكني أتممت المشروع و استفدت منه و حققت الهدف . أشكر كل من شجعني عند طرح الفكرة ، و كل من تابع ، و كل من شارك معي ، و كل من وعدني بالمشاركة و لكنه انشغل فلم أنل سعادة مشاركته .

-

أعكف الآن على مشروع جديد في مجال التصميم و هو تصميم و برمجة خط عربي . الموضوع معقد بعض الشيء . الخط سيكون على الطراز الكوفي المربع و هو أقدم الخطوط العربية . الخط موجّه بالأساس لكتابة العناوين الرئيسية و الجانبية ، فهو ليس خطا طباعيا بمعنى أن يستخدم في كتابة النصوص الطوال و هو أمر طبيعي بالنسبة للخط الكوفي .

اخترت الكوفي المربع لسهولة رسم حروفه فهو عبارة عن مربعات مصمتة متراصة لجوار بعضها ، ثم لأنه ليس له قواعد ثابتة سوى الحفاظ على اتزان و تجانس النص المكتوب أو المطبوع و هو ما سيسبب لي مشكلة لأن الخط الكوفي غالبا يتم تصميمه تبعاً للجملة التي يكتب فيها لتحقيق التوازن الخاص بها ، فشكل الحرف الواحد قد يتغير و تضاف له إضافات لتحقيق التوازن ، و لكنها تجربتي الأولى فكان لابد من خط سهل لا يحتاج لرسم كثير بل يكون العمل الأكبر هو برمجة الخط و ليس رسم الحرف .

انتهيت تقريباً من رسم جميع الأرقام و العلامات الخاصة و الحروف في حالاتها الأربعة الخاصة باللغة العربية ( مفردة ، بداية ، وسط ، نهاية ) و أقوم الآن بالبحث و القراءة في موضوع البرمجة و تلكم بعض الصور لبعض الحروف و استخدامها كتجربة في بعض الجمل .
-

أحدث تصميم في سلسلة ( زمن الكوسة .. في أرض المحروسة ) .


-

سأعود للتدوين إن شاء الله بمعدل طبيعي ( موضوع كل أسبوع أو أسبوعين تقريبأً ) و سأجتهد أن أكتب عن الرؤية الفنية للمشاريع فهو مجال عملي كما أني أستمتع به كثيراً .

أشكركم على المتابعة لمدة ثلاثين يوماً
أستودع الله دينكم و أماناتكم و خواتيم أعمالكم
تمّ

أنس علاء
( 28 سبتمبر - 10 نوفمبر ) 2010

Sunday, November 7, 2010

اليوم التاسع و العشرون : تسلم و يسلم صوتك


تسلم ويسلم صوتك
وتسلم كلمة حق فى قلبك
قلتها ومخليتهاش جنبك
تحت هدومك .. تحت فانلّة .. تحت الجلد . جوه فى قلبك

يسلم واحد قال الحق
وقال عمرى ما هسكت ولا هنذل
ولا أشوف أهلى بتنذل
و عمر ما ميزان العدل ف قلبى هيختل

اسمعوا يا ولاد الكلب يا حراميه
ياللى بعتوا بلادنا
و ضحكتو علينا بأغنيّه
ومخلتوش لينا حاجة غير الطعمية
فاكرين الناس هفيه
والظلم عندكو ده تمن الهدية
انسو و فوقو ، دى بلدنا بلد اسلاميه
و دينا دين راسه عليّه
و اعرفو إن فىه رب و فيه حساب
و إن بعد الظلم عذاب
وكل حاجه مكتوبة فى كتاب
يوم القيامة وفى الحساب
و اعرفوا إن للمولى عباد
بتعمل لجلالته مش للعباد
واللى معاه المولى ما يخاف غير المولى
وتتفتح على إيده بلاد
و يا فرد يا مؤمن يا مآمن بجنه ونار
متسكتش عن الظلم وخاف من الجبار
ومتخفش من نار الدنيا ديه مش نار

شعر : خالد شاهين

تنويه : انا غير مسئول عن أي ألفاظ خارجة في القصيدة

Thursday, November 4, 2010

اليوم الثامن و العشرون : أَسْلَمْتُ


كلمة الإسلام كلمة بسيطة ، لكننا في العصر الحديث و مع كمية المصطلحات و الدلالات التي نسمعها كل يوم أصبحنا نحتاج يوماً بعد يوم لأن نفهم الإسلام مرة أخرى و نسمع و نقرأ ما قاله المججدون عن الإسلام ، فالتجديد الإسلامي له أهمية بالغة تكمن في كون الإسلام دين صالح لكل زمان و مكان ، و بالتالي أصبحنا نبحث في أقطارالأرض عن العالم الذي نستقي من فيه كلمة عن الإسلام ، لندرك حقيقة بل عظمة هذا الدين الذي ظلمناه كثيراً .

إن المتأمل للنصرانية و اليهودية يدرك شيئا من تلك العظمة . اليهودية كانت تمثل الجانب الدنيوي من مسيرة الحياة ( لا أقصد بالحياة هنا الحياةالدنيا ، بل أقصدك مسيرة الحياة بداية من الخلق و انتهاء بالخلود في الجنة أو النار ) فهبطت بصورة الإله لدرجة قد تصل بالإله لصورة مشينة تجعل البشري يصارعه بل و ينتصر عليه في أحيان أخرى تأثرا ببعض الرؤى الرومانية كما ذكر يوسف زيدان في كتابه اللاهوت العربي ، فكانت اليهودية تدعو إلى ممكلة ( الآن ، هنا ) دعوة سريعة للمجد و الانتصار ( الآن ) متغافلة أو متنساية الآخرة ، بل هي في الدنيا ( هنا ) و بذلك كانت أحد القطبين . جاءت النصرانية المحرفة لتمثل القطب الآخر تماماً ، فجاءت دين الحب و السلام ، دين الخلاص الداخلي ، لا تهتم بأمور الدنيا بل وجدنا فيها الرهبة و العزلة و الانقطاع لخدمة الرب و العبادة ، و الزهد بعيداً عن ترف الدنيا أو حتى المستوى المعقول منها ، تعارض العلم بل تقتل العلماء أحيانا بتهمة الهرطقة و مخالفة النصوص الدينية . يقول المسيح " مملكتي ليست من هذا العالم " في دعوة منه للنظر للآخرة و نكران الدنيا .

تلكم النظرة السريعة على اليهودية و النصرانية ندرك معنى الإسلام كدين وسطي ( بين النظرة المادية للحباة و النظرة الروحية الخالصة ) . و نتيجة لذلك اتهمه المؤمنون باليهودية بأنه دين ميتافيزيقي يدعو لجنة الخلد متجاهلاً مملكة الدنيا التي يسعون لها . و اتهمه المؤمنون بالنصرانية بأنه دين ترك مهمته الأساسية من حقيقته الصوفيه و تطهير الأرواح و النفوس و نشر المحبة و السلام و أصبح دينا لصيقا بالدنيا ، مختلطا بالمجتمع . و الإسلام من كل هذا براء . فهو ينتظم شئون الحياة جميعها بهدف أسمى و هو الخلود في الجنان . و تلك علامة صحة فالمعتدل دائما ما تنهال عليه الاتهامات من الطرفين المقصر و المغالي كليهما .

لقد خلق الله الإنسان لهدفين رئيسين نستطيع أن نجملهما في قوله تعالى " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون " العبادة بمعناها الواسع ، ليس الشعائر فقط كما يحصرها البعض ، بل كل عمل يفعله الإنسان ينوي به تحصيل رضا الله و ثوابه ، شعيرة كان أو عادة أو عمل أو تحصيل علم أو ... أو ... أو ... . أما الهدف الثاني من قوله تعالى " إني جاعل في الأرض خليفة " أنت خليفة ! كلنا خليفة ! إن دور الخليفة بالطبع لا ينحصر في دور العبادة ، لا ينحصر في الخنادف و الجحور التي نحصر نفسنا فيها . دور الخليفة هو إعمار الأرض . و حينما فهم المسلمون الأوائل ذلك تقدموا في شتى العلوم و اخترعوا اختراعات عجيبة يجهلها كثير من المسلمين ( راجع البرنامج الرائع "خواطر 6" لـ "أحمد الشقيري" و الذي كان يعرض في رمضان على شاشة قناة الرسالة ) .

من تلكم الآيتين نفهم دور المسلم في الحياة . فهو عبد و خليفة بكل ما تعنيهما الكلمتين من معنى . نجد كثير من الأحاديث و الآيات و المواقف توضح تلك الحقيقة ، " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ " [فاطر] ، " و ابتغِ فيما آتاك اللهُ الدارَ الآخرةَ و لا تنْسَ نَصيبكَ من الدنيا " [القصص] ، " فإذا قُضِيَت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " [الجمعة]، " هو الذي جعل لكم الأرض ذَلولاً فامشوا في مناكبها و كُلُوا من رزقه و إليه النشور " [الملك] ، " أنتم أعلم بأمور دنياكم " ، " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " ، " المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم " ، " أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس مني " ، " نعم المال الصالح للعبد الصالح " .

الإسلام دين رباني ، وسطي ، واقعي ، شامل ، صالح لكل زمان و مكان ، ينتظم شئون الحياة جميعاً . يا له من دين لو أن له رجال . و لا حول ولا قوة إلا بالله .

-

المراجع للاستزادة :

1. الإسلام بين الشرق و الغرب - علي عزت بيجوفيتش
2. اللاهوت العربي - يوسف زيدان
3. خصائص التصور الإسلامي و مقوماته - سيد قطب
4. مدخل لمعرفة الإسلام - يوسف القرضاوي
5. الإسلام .. ما هو ؟ - مصطفى محمود

Sunday, October 31, 2010

اليوم السابع و العشرون : أبي و أمي

إن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى رعاية الأولاد . إلى التضحية بكل شيء حتى بالذات . و كما تمتص النابتة الخضراء كل غذاء في الحبة فإذا هي فتات ، و يمتص الفرخ كل غذاء في البيضة فإذا هي قشر ، كذلك يمتص الأولاد كل رحيق و كل عافية و كل جهد و كل اهتمام من الوالدين فإذا بهما شيخوخة فانية - إن أمهلهما الأجل - و هما مع ذلك سعيدان !

فأما الأولاد فسرعان ما ينسون ذلك كله ، و يندفعون بدورهم إلى الأمام . إلى الزوجات و الذرية .. و هكذا تندفع الحياة .

و من ثم لا يحتاج الآباء إلى توصية بالأبناء . إنما يحتاج هؤلاء إلى استجاشة و جدانهم بقوة ليذكروا واجب الجيل الذي أنفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف !

و هنا يجيء الأمر بالإحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من الله يحمل معنى الأمر المؤكد ، بعد الأمر المؤكد بعبادة الله
" وَ قَضَى رَبّكَ ألا تّعْبُدُوا إلا إيّاهُ وَ بِالوَالِدَيْن إحْسَاناً "

[ في ظلال القرآن - سيد قطب ]

أبي ، أمي .. أعتذر عن كل شيء .. بشدة

-

فيلم يوناني قصير مترجم بالإنجليزية
من إنتاج عام 2007
بعنوان : ما هذا ؟ ( what is that ? )


Saturday, October 30, 2010

اليوم السادس و العشرون : inception


وسط موجة الأفلام الهابطة الخالية من أي شيء ، حتى من المتعة ، أفلام رعب و عنف و ضرب و قتل و بوم بوم طاخ طاخ . نحتاج لأن نرى فناً حقيقياً ممتعاً ، ترفه عن نفسك و تخرج لمجابهة صعاب الحياة مرة أخرى . بجانب المناقشة لبعض الأفكار و الوصول لطريقة تفكير الآخر .

تبدأ قصة الفيلم معي عندما كنت أبحث عن الجديد في الأفلام فوجدت فيلم اسمه إنسبشن (inception) بطولة ليوناردو ديكابريو ( Leonardo DiCaprio ) ، حتى الآن طبيعي جداً ، ثم دخلت إلى قائمة أفضل 250 فيلم في التاريخ على موقع imdb و هو بالمناسبة تقييم و تصنيف شعبي - ليس رسمياً - ففوجئت بـ إنسبشن في المركز الثالث و كان لم يمر تقريباً على عرضه في دور العرض ثلاثة أسابيع . ثلاثة أسابيع فقط و يصلل للمركز الثالث ! ثم تبع ذلك كلام من بعض الأصدقاء المهتمين بالسينما عن أنه فيلم غير طبيعي .

ثم وجدت مقالاً للمخرج المصري الرائع عمرو سلامة بعنوان ( إنسبشن ... و علاقته غير المباشرة بالبرفكشن ) و كان قد كتب فيه أن بعض الناس تاهت في منتصف الفيلم و لم تعد تعلم من أين أتت و أين أصبحت إلى أين تتجه كما حدث مع بعض الناس في الفيلم المصري ألف مبروك من بطولة أحمد حلمي . فاعتقدت أن الموضوع سيكون مثير . شاهدت الفيلم مرتين و كنت متوجسا في المرة الأولى خشية التوهان و أن أصبح كأولئك الذين ضاعوا في منتصف الطريق . و لكن الموضوع كان ممتع جداً و مثير جداً و جميل جداً .

سأحاول أن أتكلم عن الفيلم من وجهة نظري و تقييم سريع لعناصره ( الفكرة و السيناريو - الإخراج و التصوير - الموسيقى التصويرية - التمثيل ) طبعاً الفيلم ممتع لأقصى درجة ، قد لا تكون فيه فكرة واضحة و مباشرة كـ V for Vendetta أو كـ American History X أو كـ Traitor و لكنه و إن كان فيلم للمتعة فقط - و إن كنت أشك في ذلك - يظل علامة فارقة في عالم الإمتاع ، الفيلم فعلاً مشكلة .

تلخيص سريع : الفيلم يدور حول فكرة قد تعتبر خيال علمي و إن كنت أكره تلك الكلمة بناء على تصوري عند سماعها على حرب الكواكب و الغرباء القادمون من السماء ، و لكنه قد يصنف تحته فهو يتكلم عن الأحلام ، عالم الأحلام ذلك العالم الثاني الغريب الذي ربما نقضي فيه أوقات لا نستطيع أن نفعلها على أرض الواقع ، نصنع الحلم كما نريد ، ربما نفكر في الأمر قليلاً لدرجة الهم فنجده بتحقق في خيالنا . هل سمعت عن بعض الآباء ينتزعون اعترافات من أبنائهم عند نومهم ؟ فالإنسان عند نومه تتهاوى خطوط دفاعاته نظراً لضعف تركيزه المخي ، تتهاوى أسوار قواك فربما تعترف بأشياء لو كنت مستيقظا لصفعت السائل على وجهه لقبح السؤال ، و لكنك عند نومك ربما تقر في أريحية تامة . الأمر أشبه بذلك . فالفيلم يحكي عن مجموعة من الناس تمارس نوعاً من السرقة و النصب عن طريق جهاز يدخلك في عقل الشخص الذي أمامك أثناءنومكما معاً . تقوم بتوصيل الجهاز بكما ثم تدخلا إلى عالم عقله و تتحرك كأنك في الواقع و لكنك تحتاج لمهندس معماري معك ليبني لك المكان الذي ستكون فيه مع البطل في الحلم طبعاً ، عالم الحلم . و حينها أفكاره يكون قد خبئها في شيء أشبه بخزانة فإن استطعت أن تصل لتلك الخزانة تكون الأوراق مثلا التي بداخلها هي الأفكار و الأسرار التي تدور بعقله ، و بوضعك لشيء داخل تلك الخزانة تكون قد زرعت فكرة في عقل الرجل . نصب نصب يعني .

أيضا يمكنك وضع حلم بداخل حلم ، فتنام داخل الحلم لتصبح في حلم آخر و بالتالي على المهندس المعماري أن يبني لك عالم الحلم الثاني و هكذا حتى تصل إلى مثلا أربع طبقات من الحلم و كلما توغلت كان الأمر أخطر و زرع الفكرة أو سرقتها أصعب لأن الشخص الحالم يكوّن عقله أجسام مضادة تلقائية في الحلم قد تكون دبابة أو جيش أو جنود او أيا كان . و عند موتك في الحلم تستيقظ في أرض الواقع بكل بساطة .

الفيلم يدور ول مهمة لمجموعة من ستة أشخاص يعرض عليهم رجل أعمال زرع فكرة في دماغ رجل أعمال آخر فيقوموا بالتخطيط للمهمة بإحكام و يدخلوا بالفعل إلى عقله و وسط أحداث كثيرة يحاولوا زرع تلك الفكرة .

الفكرة : الفكرة طبعا بعد الملخص السابق فكرة رائعة ، جديدة إلى حد كبير ، أعتقد أنها أفضل من أي شيء آخر في الفيلم ، الإبداع الأول كان في الفكرة ، سرقة و زرع الأفكار ، اللعب في الزمن ، الحلم داخل حلم ، اختلاف التوقيت من حلم لحلم فخمس دقائق في الواقع تعادل مثلا ساعة في الطبقة الأولى من الأحلام و هكذا حتى ربما تصل لخمسين سنة في الطقى الرابعة أو الخامسة ! أمر مرعب .

الإخراج : طبعا المخرج كربستوفر نولان ( Christpher Nolam ) و هو كاتب الفيلم و صاحب فكرته ، فهو البطل . يستحق الكثير على هذا الفيلم فهو مخرج مركز جداً ، مبدع جداً ، يخرج كل سنين فيلم لكن الفيلم يحقق نجاحا ساحقاً ، فهو بالمناسبة مخرج فيلك فارس الظلام ( The Dark Knight ) الفيلم الثاني في سلسلة بات مان و هو الآن في طريقة لإخراج الفيلم الثالث و ربما الأخير في السلسلة . فارس الظلام الذي أعجب الكثير من الناس و حقق أرباحا مهولة و حصل على جوائز أوسكار عدة ، الفيلم الذي غير رؤيتنا للحق و الباطل ، الذي جلعنا نتساءل هل يمكن أن تكون على الحق و لكن هذا ليس الوقت المناسب ! أن تكون على حق و لكن هذا ليس الشكل المناسب ! الفيلم الذي جعل البعض يتساءل : هل هناك فعلاً فرق حقيقي بين الجوكر و بات مان على البون الشاسع بينها ؟ . نعود للفيلم فأقول استخدامه للتصوير البطيء في بعض المشاهد فظيع ، و هناك مشهد الجاذبية مش ممكن فعلاً .المخرج يهل علينا كل سنتين بفيلم واحد .. فيمتعنا و يبهرنا . هناك فعلا بعض المشاهد في الفيلم عندما رأيتها لم أتخيل كيف تم تصويرها فهناك مشاهد بدون جاذبية و مشاهد انقلابات للمباني و حاجات غريبة حتى رأيت أحد مقاطع الفيديو يتحث عن صناعة الصوت للفيلم فوجدت أنهم فعلموا ما لم يأت به الأوائل . و فتحت فمي .

الموسيقى التصويرية : أعتقد يكفي الآن أن تذكر اسم هانس زيمر ( Hans Zimmer) على أي فيلم دون أن تتحدث عن الموسيقى التصويرية . تابعته في أفلام The Dark Knight ، و The DaVinci Code ، و Angels & Demons و أخيراً في إنسبشن . فأنا أعرفه منذ زمن ، عالم آخر فعلاً و إن كنت أعتقد أن إنسبشن بما فيه من خيال و واقع في آن واحد كان من الصعب صناعة و اختيار جو الموسيقى له و لكنه كان موفقاً جداً .

التمثيل : لم يعجبني التمثيل كثيرأ ، لم يعجبني أبدأ ، أعتقد إنه لم يكن هناك تمثيل أساساً ، أكثر من أعجبني تمثيلهما هما يوسف سائق الشاحنة و مساعد كوب ، الرجل الرفيع ، عليه تعابير وش فظيعة .

إنسبشن .. الفكرة هي أخطر ما في الوجود .

"Inception" Sound for Film Profile from Michael Coleman on Vimeo.

Wednesday, October 27, 2010

اليوم الخامس و العشرون : الجماعة


(1)
تابعت عن بعد الجدل المثار حول مسلسل الجماعة منذ أن أعلن وحيد حامد عن نيته لكتابة مسلسل عن جماعة الإخوان المسلمين و مؤسسها حسن البنا بشكل خاص . ثم طلب الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا إطلاعه على السيناربو قبل البدء في تصويره بصفته ابناً للبطل الذي سيتم عرض سيرته الذاتية . ثم رفض وحيد حامد لذلك قائلاً بأنه إذا كانت الجماعة تخشى من عرض قصتها في مسلسل درامي فإن ذلك بسبب إن " اللي على راسه بطحة بيحسس عليها " و لكن الأزمة الأساسية حينها حينها كانت التشكيك في النية من أساسه ، لأكثر من سبب ، من أهمها وقت عرض المسلسل ( قبل الانتخابات البرلمانية بشهرين تقريباً ) و طبعا كما تعلمون فإن التشكيك في النية باب كبير تنفتح بعده كل أبواب الاتهامات . فوجئت بالأمس - أو لم أفاجأ - بخبر في جريدة الشروق بأن مسلسل الجماعة فاز بأفضل مسلسل درامي اجتماعي و إياد نصار كأفضل ممثل عربي و محمد يس كأفضل مخرج و وحيد حامد كأفضل مؤلف .

بدأت بعد رمضان في مشاهدة المسلسل إذ لم تتوفر الفرصة لمتابعة المسلسل في رمضان ، كنت على أمل أن أنهي المسلسل قبل الثلاثين يوما المخصصين للتدوين فأستطيع أن أكتب عنه ، و لكني لم أتجاوز الحلقة الخامسة عشر بعد و لكني كونت رؤية قد تكون كاملة شاملة سأعرض منها بعض النقاط هنا . ليس نقداً فنيا أو موضوعيا للمسلسل بل هو عرض سريع لنقاط سريعة موجزة كل الإيجاز .

(2)
أصابني الحزن جراء الهجوم على المسلسل و عرض مساوئه في الجانب الفكري - الذي سنعرض له لاحقاً - متجاهلين الجانب الفني فيه ، ففني الجانب الفني بدابة المسلسلل على مستوى عالٍ جداً من الإنتاج فقد تم صرف عليه مبلغ مهول ، أداء غالب الممثلين احترافي . تحية لإياد نصار على التمثيل و التجسيد الرائع لشخصية حسن البنا ، فهو كتمثيل بعيداً عن أي شيء تمثيل رائع ، يستحق عليها جائزة أفضل ممثل . الموسيقى التصويرية من إبداع عمر خيرت أكثر من رائعة ، مناسبة تماماً لجو المسلسل ، حصلت على مقطعي المقدمة و الخاتمة للمسلسل و أسعى للحصول على باقي المقاطع الداخلية إن تم نشرها . يمكنك أن تعلم أنها موسيقي عمر خيرت من دون أن يخبرك أحد و هي سمة مميزة لكل الموسيقيين التصويريين ، إذا ركزت مع أحدهم فستعلمه بمفردك بمجرد سماع مقطوعة أخرى من مسلسل أو فيلم آخر . الإخراج كان على طريقة الإخراج السينمائي و ليس المسلسلات و كذلك التصوير ، فبمجرد النظر لطبقة اللون العام للمسلسل فستعلم أن اللون به شيء من جو الأفلام السينمائية ، فمن أهم خطوات المونتاج للفيديو هو تحديد لون الفيديو يمكنك ملاحظة ذلك بسهولة بمجرد النظر لمقطع فيديو خلف الكواليس مثلا لأحد المسلسلات أو الأفلام ثم النظر لنفس الفيلم بعد المونتاج .

فالمسلسل فنياً قيمة مرتفعة جداً تستحق الإعجاب و التقدير ، بعيداً عن أية نوايا .

(3)
نأتي للجزء المهم و هو الجانب الفكري و هو الهدف الأساسي من المسلسل ، فهو كمسلسل درامي تاريخي لا شك أن الجانب الفكري يستحوذ بل ربما يطغى على باقي الجوانب . سأعتمد طريقة العرض السريع لبعض النقاط بدلاً من الشرح المطول .

- المسلسل تم رفضه عند الحلقات الأولى ، وسط تخوفات كبيرة من قطاعات داخل الجماعة ، بسبب وقت عرض المسلسل كما ذكرنا ، و كمية الممثلين الرهيبة بل المريبة المشاركة في العمل ، منهم ممثلين عظام - كأحمد حلمي - لم يتعدى دورهم الدقائق المعدودة ، و منهم من ظهر في حلقة و لم نر وجهة ثانية . بعد عرض الحلقات الأولى من المسلسل و رؤية ( كافتريات أمن الدولة ) و المعالمة الحانية لهم تم رفض المسلسل من قبل كبار مفكرين مصر و الكاتبين مقالاتهم في جرائد المعارضة ، سواء كانوا - المفكرين و الكتّاب - أصحاب توجه إسلامي صريح أو غير ذلك ، و اعتبروا المسلسل استخفافاً بعقل المشاهد و تزويرا للحقائق .

- إذا افترضنا سوء نية المؤلف - و هو ما فعله الكثيرون - و قلنا بأنه أراد من المسلسل تشويه صورة الجماعة ، فإن أكبر خطأ وقع فيه وحيد حامد هو تشويه صورة الإسلاميين بجميع اتجاهاتهم ( إخوان ، سلفيين ، دعاة جدد ) بدلا من الإخوان و فقط . فوجدنا الشيخ عاطف بدلاً من الدكتور عمرو خالد حريص كل الحرص على المبلغ المادي بعيداً عن الدعوة إلى الله فهو يتاجر بالدين نظرا لأسلوبه التمثيليل الجميل ، و وجدنا في مشهد ارتداء الشغالة للنقاب هجوما صريحا على السلفيين بأنهم أخطر من الإخوان و أنهم يسرقون البلد عن طريق اللعب في عقول البسطاءعن طريق انتشارهم و سيطرتهم على الفضائيات ، و هو لا شك خطأ فادح لن يغفره وحيد حامد لنفسه لأنه بذلك خسر قطاعا كبيرا من الشعب . فالشعب المصري بطبيعته ذو عاطفة إسلامية جياشة - و إن كانت في اتجاه خاطيء ، و إن فهم الإسلام فهما خاطئاً ، و إن كان حتى غير ملتزم من الأساس ، و إن كان يكره الإخوان ، و إن كان أي شيء - فإنه لا يقبل كلمة سوء عن الإسلام و الإسلاميين . و بذلك خسر وحيد حامد - بعلم أو غير علم ، عن عمد أو عن غير عمد - قطاعا كبيرا من الشباب المحبين للإسلام و المتأثرين بالدعاة الجدد أمثال الدكتور عمرو خالد و معز مسعود و مصطفى حسني ، و خسر أيضاً المتأثرين بالاتجاه السلفي ، وخسر السلفيين كلهم بالطبع فوجدنا الشيخ حازم شومان يرفض الهجوم على حسن البنا و على النقاب في مقطع فيديو على أحد الفضائيات ، و خسر أيضاً الإخوان و المحبين لهم . فلم يبقى له إلا ضعاف النفوس من أبناء الشعب و الجاهلين و أنصاف المتعلمين . ربما لو كان أكثر ذكاء لكان الهجوم صريحا على الإخوان و فقط حتى و إن كان يكره الإسلاميين كلهم ، و لكن لكي يحقق الهدف من المسلسل لكان عليه حصر الهجوم بنقاط محددة على الجماعة .

- بالنسبة لأحداث جامعة عين شمس و وصمه طلبة الإخوان ببدء الهجوم على طلبة الاتحاد و عسكر الأمن المركزي فهذا كلام عار من الصحة و هو شخصيا لا يملك دليلا عليه فالإخوان منهحم نظال دستوري سلمي إلى جانب التربية بعيداً عن العنف ، بل إنه ربما لم يجد حبكة لإلصاق التهمة بالطلبة غير وصمهم ببداية الاعتداء دائماً ، بل تعدى الأمر حتى بلغ رمي زجاجات المولوتوف من على أسطح مباني الجامعة و كأننا في أحد أفلام الإثارة و التشويق !

-إن أكثر ما تبدى فيه ذكاء المؤلف هو اختياره بعناية لعينات الطلبة المحقق معهم في أحداث الأزهر ، إنه شديد الذكاء . وجدنا من كان إخوانيا أبا عن جد ، الذي كان يتلو سورة يس طوال مكوثة في المكتب أثناء التحقيق رافضا منعه من السكوت بحجة أنه يقرأ القرآن ، و قول المحقق له " أنت دخلت الإخوان إزاي " فرد عليه " أبويا و جدي و العيلة كلها إخوان " ، فرد المحقق " وراثة يعني " فأجابه " مش بالظبط " !

عينة أخرى من الطلبة و هو الإنسان المظلوم الغلبان الذي يكره الحكومة ، فيشارك في فعاليات أي معارضة أيا كانت تلك المعرضة ، و إن كانت معارضة فاسدة ، و إن كانت معارضة غير قادرة على إحداث تغيير ، فهو مع الإخوان لأنه ضد الحكومة . و هو المشهد الذي أبدع فيه الممثل محمد فراج . مشهد مؤثر جداً ، أكثر من رائع .

وجدنا كذلك الطالب الذي يحب الإخوان و يشارك معهم لأنه فلاح غلبان ، وجد نفسه في القاهرة تائهاً ، فالقاهرة كما تعلمون تصيبك بشعور غريب لا أستطيع وصفه . فوجد الإخوان يوفرون له خدمات كثيرة كالمذكرات بأسعار زهيدة ، و وفورا له سكناً بدافع حب الخير فأحبهم و شارك معهم . فكان لابد - على حد قوله - أن ينشر شعارهم و يهتف به في كل مكان " الله غايتنا ، و الرسول قدوتنا ، و القرآن دستورنا ، و الجهاد سبيلنا ، و الموت في سبيل الله أسمى أمانينا " .

- أمر آخر هام و أخير هو بناء الشخصيات . شخصية حسن البنا و المرشد السابق محمد مهدي عاكف ( المسمى في المسلسل بالكبير ) فنجده بنى لهم حالات نفسيه من اصطناعه و تحيله ، بل إنطاق بعضهم بكلمات لا تليق أصلا بشخص محترم كقول المرشد في أحداث عين شمس بعد سماعه بضرب الطلبة " يا ريت كان مات لنا حد منهم ، كان زمان وسائل الإعلام و حقوق الإنسان قلبت الدنيا فوق دماغ الحكومة " و كأن الدماء رخيصى ربما يدفعا ثمنا لتشويه سمعة الحكومة ، بناؤه لشخصية المرشد السابق غاية في الوقاحة . أما حسن البنا فحدث و لا حرج فهو شخصية تملك حماسة و غيرة على الإسلام . و لكنه شخصية هستيريه جداً ( منفسنه جداً ) ، يتحدث بحماسة مصحوبة بهستيريا حادة بالذات عند حديثة عن فكرة جديدة أو اقتراح ومض في عقله فجأة . كذلك جسّده و كأنه محب للسلطة و الرياسة . جميعنا يدرك أن حسن البنا كان متفوقا على من حوله من الإخوان و حتى مؤسسين الجماعة الستة ، فبينهم بون فكري واسع في بداية الدعوة ، فجسّده و كأنه لابد و أن يشعره من حوله بأنه فعلا يتفوق عليهم و لا بد أن يوقروه ، بل هو المرشد العام و لا يجوز أن يكون أحد سواه .

المسلسل باختصار كقيمة فنية مرتفع جداً و لكن قيمة فكرية فيستحق الفشل عن جدارة .

Monday, October 25, 2010

اليوم الرابع و العشرون : مدونة جرّب في معرض أجمل وطن

شاركت ببعض التصاميم من سلسلة " زمن الكوسة .. في أرض المحروسة " باسم مدونة جرّب في معرض " أجمل وطن " بجامعة المنصورة . المعرض يعرض واقع الحياة المصرية ، ليس بدافع اليأس و تعتيم الصورة و لكن عرض واقعي لحياتنا بهدف تحريك الوجدان و حث الشعور على الانطلاق في الإصلاح و التغيير .

Saturday, October 23, 2010

اليوم الثالث و العشرون : بانكسي .. فنان الشوارع

إن المتظاهرين لا يقذفون الحجارة ، إنهم يقذفون باقات من الورود ، لأنهم يريدون حرية المجتمع قبل حريتهم . فقد يبدو ظاهراً للبصر أنهم يخربون و يضربون بالحجارة و لكن الحق - و الحق يقال - أنهم يسعون لحرية المجتمع معرضين أنفسهم للخطر و المتاعب و المساءلات ، لذلك فهم يقدمون له أفضل هدية .. أفضل باقة من الورود .. الحرية .

سمعت عنه أكثر من مرة . كنت جالسا في ورشة عمل يقظة فنان التي نظمها فريق عمل يقظة فكر و كان المحاضر يتحدث عن دور الفن في التغيير - الاجتماعي و ليس السياسي - و دوره في تشكيل وعي الناس و تغيير نظرتهم لقضايا معينة ، فجاء ذكره مرة أخرى ، ثم زرت موقعه الشخصي فأعجبتني جدا طريقة تفكيره و طريفة تعبيره . إنه بانكسي (Banksy) الفنان الجرافيتي الشهير .

شاهدت بالأمس فيلماً وثائقيا من إنتاج 2010 اسمه exit through the gift shop عن فناني الشوارع ، فناني منتصف الليالي ، لا يستدمون اللوحات الفنية ، أعمالهم لا تعرض في المتاحف ، متاحفهم هي جدران الشوارع . يستخدمون العبوات الباخة للألوان ، و علب الطلاء .

الفيلم من تصوير هاو فرنسي كان لا يترك كاميرا الفيديو من يده و لكن لم ير النور أي شيء مما كان يصوره . كان يصور و فقط ، منزله يحتوي على مئات الأشرطة ، البعض مدون بالتواريخ و البعض مدون بالعناوين و البعض لا يحتوي على أية معلومات تدل على ما فيه ، بدأ رحلته بالتعرف على بعض أولئك الفنانين ، كان يصحبهم في رحلاتهم الليلية أثناء طلائهم للجدران أو لصقهم للملصقات . بالطبع الشرطة كانت تلاحقهم وسط جو من المخاطرة فيما أعتقد كان يعطي للمغامرة بعضا من اللذة بجوار لذة الفن . رافق مجموعة كبيرة من أولئك الأشخاص ، كلهم كانوا يفصحون له عن هويتهم . لكن كان هناك واحداً يحلم بمرافقته ، إنه بطلنا بانكسي . جاء اليوم الموعود و هاتفه أحد الأصدقاء و قال له " إن بانكسي يجلس بجواري " حينها انتفض من مكانه و قاد سيارته بجنون إلى مكان صديقه و بدأت رحلتهما التي يحكيها الفيلم الوثائقي .

لم أصدق ما سمعته عنه حتى شاهدته يعينيّ في الفيلم الوثائقي ، كان يرسم لوحات و يضع لها إطارا ثم يدخل المتاحف العالمية و يلصق لوحته على الجدران بجوار أشهر اللوحات العالمية !

موقف آخر غريب ، قام يصنع دمية يتم نفخها بالهواء على شكل معتقلي جوانتانامو ببذاتهم البرتقالية المميزة و دخل إلى والت ديزني وضعها بالداخل على مرأى من الناس ثم انصرف . هذا الموقف اعتقل فيه صديقنا المصور بكاميرته و لكنه مسح الفيدية أثناء التحقيق ، ثم قال للشرطة " لا يوجد دليل ضدي ، اتركوني الآن " وسط اذبهلال رجال الشرطة فهم من طلبوا منه أن يريهم ما صوره !

من أجمل أعماله تلك التي رسمها على جدار الفصل العنصري حينما سافر إلى فلسطين الأرض المباركة المحتلة .

موقعه الرسمي


الطريف في الأمر ، أن بانكسي حتى الآن لا يعلم أحد من هو ، حتى في الفيلم ظهر مخفي الوجه . إنه فنان الشوارع . المجهول !

بعض أعمال بانكسي :








Friday, October 22, 2010

اليوم الثاني و العشرون : Go Creative !


ما زلت أعتقد أن التعليم الأكاديمي له مذاق آخر غير أن تتعلم كهاو ، فالهاوي يبحث في هذا الموقع و يحضر هذه الحزمة التدريبية ( course ) و يقرأ جزء من هذا الكتاب و يتصفح مقالاً في هذه المجلة ، كل هذا مفيد بل لا بديل عنه للذين لم تتوفر لهم فرصة التعليم الأكاديمي لسبب أو لآخر ، أنا من هؤلاء و لكن ربما يأتي اليوم الذي أدرس فيه التصميم الجرافيكي دراسة أكاديمية متأنية . مجرد شعور ربنا يخالفني فيه من درسوا أكاديمياً و لكني أسعد كثيراً بأي دورة تدريبية يكون لها هذا الطابع فتجد الحوار على أسس و الحديث عن مباديء .

حضرت أول أمس الخميس محاضرة ( Session) عن التصميم بعنوان ( Go Creative ) حاضر فيها مصمم الجرافيك حسن نعمان ، المحاضرة أحد فعاليات فريق iDream . المحاضرة أعجبتني كثيراً ، كانت بداية الحديث عن مفهوم تصميم هويّة لشركة ما ، فهناك شركة جديدة تريدك أن تصنع لها شعاراً و جميع المطبوعات من بوسترات و ملصقات و أغلفة أقراص مرنة و أظرفاً و ملفات توضع بداخلها الأوراق و ... و ... و ... و هو ما سيمى في مجال التصميم الـ ( Brand Identity) و هو من أكبر مجالات التصميم الطباعي بلاشك . فهناك الكثير من الشركات تولد كل يوم من رحم هذه الحياة تكون بحاجة إلى أن تصنع لنفسها هوية . فهناك من الشركات من ينجح المصمم في رفعها لأعلى عليين فترفع معها المصمم و التصميم . و هناك على العكس تماماً فيكون التصميم و شكله سببا في الخسف بالشركة .

كان الجزء الثاني من التصميم حديثاً مفتوحاً عن الألوان . سعدت بهذا الجزء خصيصاً ، أتاح لنا التفكي رفي معنى كل لون . ماذا يمثل اللون الأخضر ؟ الأحمر ؟ الأبيض ؟ الأسود ؟ الأزرق؟ و ناقشنا بعض الشعارات و لماذا استخدم مصمموها هذا اللون بالذات . هذا يدل على أننا نرى كل يوم مئات الشعارات ، سواء شعارات سيارات في الشوارع أو مأكولات أو أجهزة كهربائية و لكننا لا نفهم كنهها أو لماذا خصيصاً هذا اللون . و لكنك عندما تعلم الحقيقة تبتسم ابتسامة خفيفة ، هذا ما فعلته بالظبط .

الجزء الثالث كان عبارة عن أخطاء شائعة يقع فيها المصممون ، ثم عرض بعض الشعارات الناجحة و كذلك عرض سريع لبعض الشعارات الرديئة لمخالفتها القواعد التي تحدثنا عنها في المحاضرة .

المحاضرة كانت ممتازة إلى حد كبير . حسن نعمان .. شكراً .

Wednesday, October 20, 2010

اليوم الحادي و العشرون : أسرانا


كثير من الناس يملكون البصر ، لكن يفقدون البصيرة أو يفتقدونها . و لو علموا ما في البصيرة لتمنوا لو يفقدون البصر في سبيل الحصول عليها " فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور " . إن انعدام البصر هو فقد حاسة العين لدورها لأي سبب كان سواء كان خللاً في شبكية العين أو غيره فهي أمور يتحدث فيها أهل الطب ، و فقدان البصيرة هي فقدان حاسة البصر القلبية ، فللقلب بصيرة يرى بها نور الحق فيدرك ظلام الباطل .

إذا كنت ممن يملكون البصيرة فسترى أن القيود التي في أيدي الأسرى إنما هي زينة كالسوار و ستررد :

أرى القيود زينةَ الرجال كالسوار
أرى الخضوع صفحة في معجم الصَّغار

موطن الكبار نشيد سمعته منذ زمن
يمكنك تحميله من هنا
لعله يساعدك على أن تكون بصيرا لا مبصراً و فقط

Tuesday, October 19, 2010

اليوم العشرون : خط الثلث


ليس فقط الإعجاز البلاغي و جمال منطوق الحروف هو المميز للغة العربية ، بل إن الخط الذي تكتب به تلك اللغة يعد من أخص خصائصها و من أبرز جمالياتها . فالخط العربي هو أجمل ثاني خط في العالم بعد الخط الذي تكتب به اللغة الصينية من الناحية الجمالية . يوجد أنواع كثيرة من الخط العربي بعضها انتشر و الباقي اندثر ، بقى منها ستة خطوط شهيرة هي النسخ و الرقعة و الديواني و الكوفي و الثلث و الفارسي ( التعليق / النستعليق ) ، بي شغف بالخط العربي ، أحب التأمل في لوحاته . كنت قد قررت الالتحاق بمدرسة تحسين الخطوط العربية ظنا مني أنها في الأجازة الدراسية حتى تبين لي أنها كالدراسة العادية لمدة أربع سنوات فعلمت أني لن أستطيع التوفيق بين الكلية و التدريب في مجال التصميم و الحضور لفصول مدرسة تحسين الخطوط ، فقررت الاكتفاء بالمطالعة في كتب الخط العربي .

استعرت كتابا من صديقي على عباس هو كتاب ( خط الثلث ) الكتاب من تأليف الأستاذ الخطاط فوزي سالم عفيفي و هو مدرس خط عربي و موجه تربوي و مؤسس لعدد من مدارس الخط بالجمهورية ، له العديد من الكتب القيمة في موضوع الخط العربي و الزخرفة . كنت قد قرأت له جزئين من أصل ثلاثة أجزاء في الزخرفة ، استمتعت بها كثيراً .

الكتاب مؤلف من قسمين رئيسين ، القسم الأول بحث عن تطور خط الثلث و جمالاته و وسائل تجويده و دراسة عن أساليب كتابته و طرائق تعليمه . أما القسم الثاني فهو بحث عن تشريح الأبجدية بالكتابة الثلثية . الخط الثلث يعتبر امتداد لخط النسخ و هة من أقوى الخطوط العربية مظهراً ، خط له هيبته حينما يظهر في النص بجوار الخطوط الأخرى .

أتركم الآن مع صور من الكتاب :