Wednesday, October 27, 2010

اليوم الخامس و العشرون : الجماعة


(1)
تابعت عن بعد الجدل المثار حول مسلسل الجماعة منذ أن أعلن وحيد حامد عن نيته لكتابة مسلسل عن جماعة الإخوان المسلمين و مؤسسها حسن البنا بشكل خاص . ثم طلب الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا إطلاعه على السيناربو قبل البدء في تصويره بصفته ابناً للبطل الذي سيتم عرض سيرته الذاتية . ثم رفض وحيد حامد لذلك قائلاً بأنه إذا كانت الجماعة تخشى من عرض قصتها في مسلسل درامي فإن ذلك بسبب إن " اللي على راسه بطحة بيحسس عليها " و لكن الأزمة الأساسية حينها حينها كانت التشكيك في النية من أساسه ، لأكثر من سبب ، من أهمها وقت عرض المسلسل ( قبل الانتخابات البرلمانية بشهرين تقريباً ) و طبعا كما تعلمون فإن التشكيك في النية باب كبير تنفتح بعده كل أبواب الاتهامات . فوجئت بالأمس - أو لم أفاجأ - بخبر في جريدة الشروق بأن مسلسل الجماعة فاز بأفضل مسلسل درامي اجتماعي و إياد نصار كأفضل ممثل عربي و محمد يس كأفضل مخرج و وحيد حامد كأفضل مؤلف .

بدأت بعد رمضان في مشاهدة المسلسل إذ لم تتوفر الفرصة لمتابعة المسلسل في رمضان ، كنت على أمل أن أنهي المسلسل قبل الثلاثين يوما المخصصين للتدوين فأستطيع أن أكتب عنه ، و لكني لم أتجاوز الحلقة الخامسة عشر بعد و لكني كونت رؤية قد تكون كاملة شاملة سأعرض منها بعض النقاط هنا . ليس نقداً فنيا أو موضوعيا للمسلسل بل هو عرض سريع لنقاط سريعة موجزة كل الإيجاز .

(2)
أصابني الحزن جراء الهجوم على المسلسل و عرض مساوئه في الجانب الفكري - الذي سنعرض له لاحقاً - متجاهلين الجانب الفني فيه ، ففني الجانب الفني بدابة المسلسلل على مستوى عالٍ جداً من الإنتاج فقد تم صرف عليه مبلغ مهول ، أداء غالب الممثلين احترافي . تحية لإياد نصار على التمثيل و التجسيد الرائع لشخصية حسن البنا ، فهو كتمثيل بعيداً عن أي شيء تمثيل رائع ، يستحق عليها جائزة أفضل ممثل . الموسيقى التصويرية من إبداع عمر خيرت أكثر من رائعة ، مناسبة تماماً لجو المسلسل ، حصلت على مقطعي المقدمة و الخاتمة للمسلسل و أسعى للحصول على باقي المقاطع الداخلية إن تم نشرها . يمكنك أن تعلم أنها موسيقي عمر خيرت من دون أن يخبرك أحد و هي سمة مميزة لكل الموسيقيين التصويريين ، إذا ركزت مع أحدهم فستعلمه بمفردك بمجرد سماع مقطوعة أخرى من مسلسل أو فيلم آخر . الإخراج كان على طريقة الإخراج السينمائي و ليس المسلسلات و كذلك التصوير ، فبمجرد النظر لطبقة اللون العام للمسلسل فستعلم أن اللون به شيء من جو الأفلام السينمائية ، فمن أهم خطوات المونتاج للفيديو هو تحديد لون الفيديو يمكنك ملاحظة ذلك بسهولة بمجرد النظر لمقطع فيديو خلف الكواليس مثلا لأحد المسلسلات أو الأفلام ثم النظر لنفس الفيلم بعد المونتاج .

فالمسلسل فنياً قيمة مرتفعة جداً تستحق الإعجاب و التقدير ، بعيداً عن أية نوايا .

(3)
نأتي للجزء المهم و هو الجانب الفكري و هو الهدف الأساسي من المسلسل ، فهو كمسلسل درامي تاريخي لا شك أن الجانب الفكري يستحوذ بل ربما يطغى على باقي الجوانب . سأعتمد طريقة العرض السريع لبعض النقاط بدلاً من الشرح المطول .

- المسلسل تم رفضه عند الحلقات الأولى ، وسط تخوفات كبيرة من قطاعات داخل الجماعة ، بسبب وقت عرض المسلسل كما ذكرنا ، و كمية الممثلين الرهيبة بل المريبة المشاركة في العمل ، منهم ممثلين عظام - كأحمد حلمي - لم يتعدى دورهم الدقائق المعدودة ، و منهم من ظهر في حلقة و لم نر وجهة ثانية . بعد عرض الحلقات الأولى من المسلسل و رؤية ( كافتريات أمن الدولة ) و المعالمة الحانية لهم تم رفض المسلسل من قبل كبار مفكرين مصر و الكاتبين مقالاتهم في جرائد المعارضة ، سواء كانوا - المفكرين و الكتّاب - أصحاب توجه إسلامي صريح أو غير ذلك ، و اعتبروا المسلسل استخفافاً بعقل المشاهد و تزويرا للحقائق .

- إذا افترضنا سوء نية المؤلف - و هو ما فعله الكثيرون - و قلنا بأنه أراد من المسلسل تشويه صورة الجماعة ، فإن أكبر خطأ وقع فيه وحيد حامد هو تشويه صورة الإسلاميين بجميع اتجاهاتهم ( إخوان ، سلفيين ، دعاة جدد ) بدلا من الإخوان و فقط . فوجدنا الشيخ عاطف بدلاً من الدكتور عمرو خالد حريص كل الحرص على المبلغ المادي بعيداً عن الدعوة إلى الله فهو يتاجر بالدين نظرا لأسلوبه التمثيليل الجميل ، و وجدنا في مشهد ارتداء الشغالة للنقاب هجوما صريحا على السلفيين بأنهم أخطر من الإخوان و أنهم يسرقون البلد عن طريق اللعب في عقول البسطاءعن طريق انتشارهم و سيطرتهم على الفضائيات ، و هو لا شك خطأ فادح لن يغفره وحيد حامد لنفسه لأنه بذلك خسر قطاعا كبيرا من الشعب . فالشعب المصري بطبيعته ذو عاطفة إسلامية جياشة - و إن كانت في اتجاه خاطيء ، و إن فهم الإسلام فهما خاطئاً ، و إن كان حتى غير ملتزم من الأساس ، و إن كان يكره الإخوان ، و إن كان أي شيء - فإنه لا يقبل كلمة سوء عن الإسلام و الإسلاميين . و بذلك خسر وحيد حامد - بعلم أو غير علم ، عن عمد أو عن غير عمد - قطاعا كبيرا من الشباب المحبين للإسلام و المتأثرين بالدعاة الجدد أمثال الدكتور عمرو خالد و معز مسعود و مصطفى حسني ، و خسر أيضاً المتأثرين بالاتجاه السلفي ، وخسر السلفيين كلهم بالطبع فوجدنا الشيخ حازم شومان يرفض الهجوم على حسن البنا و على النقاب في مقطع فيديو على أحد الفضائيات ، و خسر أيضاً الإخوان و المحبين لهم . فلم يبقى له إلا ضعاف النفوس من أبناء الشعب و الجاهلين و أنصاف المتعلمين . ربما لو كان أكثر ذكاء لكان الهجوم صريحا على الإخوان و فقط حتى و إن كان يكره الإسلاميين كلهم ، و لكن لكي يحقق الهدف من المسلسل لكان عليه حصر الهجوم بنقاط محددة على الجماعة .

- بالنسبة لأحداث جامعة عين شمس و وصمه طلبة الإخوان ببدء الهجوم على طلبة الاتحاد و عسكر الأمن المركزي فهذا كلام عار من الصحة و هو شخصيا لا يملك دليلا عليه فالإخوان منهحم نظال دستوري سلمي إلى جانب التربية بعيداً عن العنف ، بل إنه ربما لم يجد حبكة لإلصاق التهمة بالطلبة غير وصمهم ببداية الاعتداء دائماً ، بل تعدى الأمر حتى بلغ رمي زجاجات المولوتوف من على أسطح مباني الجامعة و كأننا في أحد أفلام الإثارة و التشويق !

-إن أكثر ما تبدى فيه ذكاء المؤلف هو اختياره بعناية لعينات الطلبة المحقق معهم في أحداث الأزهر ، إنه شديد الذكاء . وجدنا من كان إخوانيا أبا عن جد ، الذي كان يتلو سورة يس طوال مكوثة في المكتب أثناء التحقيق رافضا منعه من السكوت بحجة أنه يقرأ القرآن ، و قول المحقق له " أنت دخلت الإخوان إزاي " فرد عليه " أبويا و جدي و العيلة كلها إخوان " ، فرد المحقق " وراثة يعني " فأجابه " مش بالظبط " !

عينة أخرى من الطلبة و هو الإنسان المظلوم الغلبان الذي يكره الحكومة ، فيشارك في فعاليات أي معارضة أيا كانت تلك المعرضة ، و إن كانت معارضة فاسدة ، و إن كانت معارضة غير قادرة على إحداث تغيير ، فهو مع الإخوان لأنه ضد الحكومة . و هو المشهد الذي أبدع فيه الممثل محمد فراج . مشهد مؤثر جداً ، أكثر من رائع .

وجدنا كذلك الطالب الذي يحب الإخوان و يشارك معهم لأنه فلاح غلبان ، وجد نفسه في القاهرة تائهاً ، فالقاهرة كما تعلمون تصيبك بشعور غريب لا أستطيع وصفه . فوجد الإخوان يوفرون له خدمات كثيرة كالمذكرات بأسعار زهيدة ، و وفورا له سكناً بدافع حب الخير فأحبهم و شارك معهم . فكان لابد - على حد قوله - أن ينشر شعارهم و يهتف به في كل مكان " الله غايتنا ، و الرسول قدوتنا ، و القرآن دستورنا ، و الجهاد سبيلنا ، و الموت في سبيل الله أسمى أمانينا " .

- أمر آخر هام و أخير هو بناء الشخصيات . شخصية حسن البنا و المرشد السابق محمد مهدي عاكف ( المسمى في المسلسل بالكبير ) فنجده بنى لهم حالات نفسيه من اصطناعه و تحيله ، بل إنطاق بعضهم بكلمات لا تليق أصلا بشخص محترم كقول المرشد في أحداث عين شمس بعد سماعه بضرب الطلبة " يا ريت كان مات لنا حد منهم ، كان زمان وسائل الإعلام و حقوق الإنسان قلبت الدنيا فوق دماغ الحكومة " و كأن الدماء رخيصى ربما يدفعا ثمنا لتشويه سمعة الحكومة ، بناؤه لشخصية المرشد السابق غاية في الوقاحة . أما حسن البنا فحدث و لا حرج فهو شخصية تملك حماسة و غيرة على الإسلام . و لكنه شخصية هستيريه جداً ( منفسنه جداً ) ، يتحدث بحماسة مصحوبة بهستيريا حادة بالذات عند حديثة عن فكرة جديدة أو اقتراح ومض في عقله فجأة . كذلك جسّده و كأنه محب للسلطة و الرياسة . جميعنا يدرك أن حسن البنا كان متفوقا على من حوله من الإخوان و حتى مؤسسين الجماعة الستة ، فبينهم بون فكري واسع في بداية الدعوة ، فجسّده و كأنه لابد و أن يشعره من حوله بأنه فعلا يتفوق عليهم و لا بد أن يوقروه ، بل هو المرشد العام و لا يجوز أن يكون أحد سواه .

المسلسل باختصار كقيمة فنية مرتفع جداً و لكن قيمة فكرية فيستحق الفشل عن جدارة .

3 comments:

  1. موضوع رائع..
    تحليلك برضه متسلسل
    وذكي وراكز كدا..
    كلام صح مية ف المية..
    بسبب البويت دا هستكشف المدونة دي دلوقتي..
    هجرّب أتوغّل ف عالم مدوّنة "جرّب"أكتر
    ^^

    ReplyDelete
  2. أشكرك .. مين حضرتك بقه
    :)

    ReplyDelete