أحدثك - يا صديقي - عن ذاك البريق اللامع في أعينهم !
إذا قابلتَ إنسانا لأول مرة في حياتك ، هناك طقوس لا إرادية تبدأ خلايا مخك موظفةً جميع حواسك في تنفيذها ، تلك الطقوس تتمثل في تحليل جميع ما يقوله الشخص و جميع حركات جسمه و ابتسامته أو عبوسه القمطرير ، و مدى تلقائيته أو اصطناعه و تكلفه ، معلومات كثيرة جداً - ربما نعلم بعضها أو لا نعلم - يبدأ عقلك في جمعها حتى و إن ادعيت أنك تتعامل بتلقائية مفرطة فعقلك للأسف لن يسمح بتلك التلقائية بل سيبدأ في عملياته المعقدة .
عموماً ، إننا نصنّف الآخرين أولا تبعاً أفكارهم و مدى توافقها أو اختلافها معنا ، فكلما كانت الأفكار متقاربة شعرت ناحيته بالقرب و سهولة التفاهم ، و على العكس كلما كانت الأفكار متباعدة أو كانت نقاطكما المشتركة قليلة شعرت نحوه بالبعد النسبي أوأنك ستتكبد بعض العناء و لا بد من بعض التنازلات لحصول التقارب . و لكن بغض النظر عن كل ذلك حتى و إن كنت مختلفا معه في الرأي فإن هناك شعور بالاحترام تجاه الشخص الذي يعرف ماذا يريد تماما ، و يعرف ما هدفه و ما سبيله ، فتجده يقرأ عن هدفه هنا و هناك ، يسأل هنا و هناك ، يحاول تكوين وجهة نظر سليمة و هو شاب قبل أن ييبس عوده الغض الطري القابل للتشكل فيصبع صلبا لا يصدأ .
العيون أمرها غريب ، لقد وزع الله علينا أشكالنا بقسمة و حكمة يعلمها ، فهذا أنفه أفطس و هذا أنفه صغير ، هذا صوته أجش و هذا صوته ناعم ذو تردد و ذبذبات عالية ، هذا شعره أجعد و هذا شعره ناعم ، هذا بشرته صفراء ضاربة للحمرة و هذا بشرته قمحية غامقة ، هذا طويل و هذ قصير ، هذا مفتول العضلات و هذا كالعصا في نحافتها . لكن يبقى التأثير بمخرجات تلك الحواس ، بمعنى إن هذا كله قد لا يحدد طبيعة الشخص و نفسيته ، أما مخرجات الحواس فهي التي يجمع المخ منها المعلومات و يبدأ في تحليل الشخصية . شكل الفم لا يهم لكن المهم هو طريقة كلامه و مدى طلاقته ، لا يهم لون حدقة العين بل المهم هو تلك النظرة التي تدل إما على الثقة و الود أو العته و البلاهه ، لا يهم شكل الجسم بل طريقة الحركة ، لا يهم شكل الأذن بل مدى موسيقيتها و نقاء سماع صاحبها ، لا يهم حجم رأسه بل ذكاؤه و فطنته و حكمته ، لا يهم مدى قوة و ضعف قلبه من ناحية ضغط الدم بل مدى حبه للناس و مدى اتساع قلبه لهموم الناس و حبهم له و كرههم له على السواء .
أتعجب كيف تغلب هؤلاء الشباب على همومهم و أوجاعهم و تحركوا ليبعثوا الأمل في قلوب من ماتت قلوبهم و صدأت أرواحهم ، ليجعلوا قلوبهم نورا و أرواحهم بريقاً . إنهم بشر كباقي البشر ، مثلنا تماما لهم أوجاعهم كبقية الشعب تماما و لكنهم يتمتعون بقوة نفسية تساعدهم على المسير . يصدق فيهم قول سيدنا علي بن أبي طالب :
الخلق كثـر لا بل ما أقلــــهم الله يعلــم أنـي لم أقــل فنـــــدا
إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير و لكن لا أرى أحدا
هم قلة و لكن عزائي الوحيد أني أملك أصدقاء مثلهم ، أنظر في عيونهم فتكفيني النظرة .
تلك النظرة تجدها في عيني الطفل ، فهو لا يعلم البؤس الذي ينتظره فيبتسم بتلقائية و أمل و حب ، إن أجمل ما في الطفل هو الحب المطلق و اللهو المطلق .
إن صاحب الهدف السامي النبيل ، السالك طريقة بوسيلة شريفة ليستحق الاحترام و التقدير مهما كان اتجاهه و مهما كانت أفكاره ،. ابحث في عيونهم ، ستجده ، إنه السر ، إنه ذلك الأمل و التفاؤل ، إنه ذلك البريق .
تم التعديل .. صح كدة يا أنوش
ReplyDelete:))
كنت بقي بقول
السرُ كل السرِ في الأرواحِ
:))
جامد جدا يا انوس
ReplyDelete:D
العيون تكشف كل شيء و كأنها نافذة للروح
بالتوفيق إن شاء الله
:))
إنه السر ، إنه ذلك الأمل و التفاؤل ، إنه ذلك البريق...
تذكرت أحباء لي كثر , باعدتنا اختلاف الفكر و الرؤى
ReplyDeleteحاولت كثيرا و لكن فشلت ....
البعد النسبي و التنازلات للوصول لنقاط مشتركة .... وصف دقيق جدا لطبيعة هذه العلاقة في أغلب الاحوال
الله المستعان
جزاكم الله خيرا يا انس
استمر
لا كلام بعد كلام احمد الشافعى
ReplyDeleteولكن العيون كبافى الاعضاء انها لا يحدها لون العين او اتساعها ولكن العيون هى دليل الوجه ومقياس القلب
فمنها نفهم كل شئ ونحس بكل شئ
فهى لغه المشاعر الصامته
التى تخرج من القلوب الى القلوب
أرجو من المعلقين أن يذكروا اسمهم إذا كانوا ممن لا يملكون حسابا على " جوجل " ، أشكركم جميعاً و أتمنى لكم عيونا صادقة ، بالأمل برّاقة
ReplyDelete