Tuesday, October 5, 2010

اليوم الثامن : رحلة الكواكبي مع الاستبداد


انتهيت لتوّي من قراءة كتاب " طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد " لعبد الرحمن الكواكبي الصادر عن دارالشروق ، الكتاب مميز جداً من ناحية لغته العربية الجميلة و تجربة صاحبه ، فقلما كتب أحد من الأولين أو حتى الآخرين عن الاستبداد السياسي بالتفصيل . و إن كتبوا اختصروا الحيث ذماً و لعناً في الاستبداد و أهله . و لكن أن تكتب كما كتب الكواكبي كلاما موضوعياً في علاقة الاستبداد بالحياة عموماً فهو أمر جدير بالاهتمام ، فنجده يكتب في علاقة الاستبداد بالدين و العلم و الأخلاق و التربية و الترقي و المجد ، ثم يختم كتابه بكيفية التخلص من الاستبداد .

و أترككم الآن مع مقتطفات من الحكمة التي أجراها الله على لسان ذلك الرجل فخطها بيمينه في كتابه القيّم هذا :

- لما كان تعريف علم السياسة بأنه هو " إدراةا لشئون المشتركة بمقتضى الحكمة " يكون بالطبع أول مباحث السياسة و أهمها بحث " الاستبداد" أي " التصرّف في الشئون المشتركة بمقتضى الهوى " .

- الاستبداد يجعل الناس تتهافت على شهواتها البهيمية لأنهم لا يعرفون لذة غيرها ، فهم لم يتذوقوا لذة الحرية أو لذة الكرامة أو لذة الأمن و الاطمئنان .

- الناس وضعوا الحكومات لأجل خدمتهم ، و الاستبداد قَلَب الموضوع فجعل الرعية خادمة للرعاة .

- يقولون الاستبداد يقلل الفسق و الفجور ، و الحق أن عن فقر و عجز لا عن عفة و دين .

- أسير الاستبداد دون الحيوان ، لأنه يتحرك بإرادة غيره لا بإرادة نفسه .

- التهاون في أمر الدين ناشيء أولاً و آخراً من الاستبداد .

- الأمر الغريب ، أن كل الأمم المنحطة من جميع الأديان تحصر بلية انحطاطها السياسي في تهاونها بأمور دينها ، و لا ترجو تحسين حالتها الاجتماعية الاجتماعية إلا بالتمسك بعروة الدين تمسكا متينا ، و يريدون بالدين العبادة . و لنعم الاعتقاد لو كان يفيد شيئاً ، و لكنه لا يفيد أبداً ! لأنه قول لا يمكن ان يكون وراءه فعل ، و ذلك أن الدين بذر جيد لا شبهة فيه ، فإذا صادف مغرسا طيبا نبت و نما ، و إن صادف أرضا قاحلة مات و فات ، أو أرضا مغراقا هاف و لم يثمر . و ما هي أرض الدين ؟ أرض الدين هي تلك الأمة التي أعمى الاستبداد بصرها و بصيرتها فأفسد أخلاقها و دينها ، حتى صارت لا تعرف للدين معنى غير العبادة و النسك اللذين زيادتهما عن حدهما المشروع أضر على الأمة من نقصهما كما هو مشاهد في المتنسّكين .

نعم ، الدين يفيد الترقي الاجتماعي إن صادف أخلاقا فطرية لم تفسد ، فينهض بها كما نهض الإسلام بالعرب ، تلك النهضة التي نتطلبها من الف عام عبثاً .

بناء عليه ما أجدر بالأمم المنحطة أن تلتمس دواءها من طرق إحياء العلم و إحياء الهمة مع الاستعانة بالدين و الاستفاده منه بمثل " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر " لا أن يتكلوا على أن الصلاة تمنع الناس عنهما بطبعها .

- لابد أن نفقه أن القضاء و القدر هما عند الله ما يعلمه و يمضيه ، و هما عند الناس السعي و العمل . و كل عمل عظيم قد ابتدأ به فرد ثم تعاوره غيره إلى أن كمل ، فلا يتخيل الإنسان في نفسه عجزاً ، و لا يتوقع إلا خيراً ، و خير الخير للإنسانأن يعيش حرا مقداماً أو يموت .

- فالمسلمون اليوم يقابلون قوات الغرب و جبروته بما يقال عند اليأس و هو " حسبنا الله و نعم الوكيل " و يخالفون أمر القرآن لهم بأن يعدوا ما استطاعوا من قوة ، كل أنواع القوة ، لا ما استطاعوا من صلاة و صوم فقط .

- لو ملك الفقهاء حرية النظر لخرجوا من الاختلاف في تعريف المساكين الذين جعل الله لهم نصيبا من الزكاة ، فقالوا : هم عبيد الاستبداد ، و لجعلوا كفارات فك الرقاب تشمل هذا الرق الأكبر .

ثم يختم الكواكبي كتابه بنصائح و خطوات يرى - من وجهة نظره - أنها كفيلة بالتخلص من الاستبداد القابع على صدورنا و هي :

1. الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية .
2. الاستبداد لا يقاوم بالشدة إنما يقاوم باللين و التدريج .
3. يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يستبدل به الاستبداد .

إذا لم تقمْ بالعدل فينا حكومة**فَنَحْنُ عَلى تغييرها قُدَراءُ

1 comment:

  1. جميلة أوي يا أنس بجد

    والكتاب ده شكله معدي فعلا لازم أقرأه قريب

    تسلم ايديدك

    :)


    عبدالرحمن

    ReplyDelete